جابر خليفة
على ضفة جدولٍ يستريح شاعرٌ وتمر سمكات صغار يلوحن له، وترفرف حمامة، سعفات تتمايل ظلالهن على وجهه الحنطي الهاديء المريح..
على ضفة جدول وبقلب يتوجع يتناول تمرات من قنطارة غطس ثلثها في ماء المد وانحنى جذعها نحوه ليتذوق، و( من ذاقها إذا ذاقها يتمطّقُ )..
شاعر البصرة وأميرها وجميلها الملوّن بابتسامة، بطوله الناحل، يرسم البصرة بعينيه ويتشعشع، يكحلها بالقصائد ويقول للمرابد طوفي فأنا هنا، عند منبري يقفُ الشعرُ، وأقفُ أنا، وأنت أيتها المهرجانات من تمرين بي، وبالبصرة تمرين وبنهر العشار وشط العرب، تطوفين كما القوارب المضاءة ليلاً تطوفين بنا، ولنا هنا منذ أن كتب الشعرُ تستدير القصائد، وبمشكاتنا تستضيء، لنا الخليل والجاحظ والحريري والفرزدق، ولنا قبل أن يطرز القص القاص الأول عبد الله ابن المقفع.
من على الضفة يستريح الجميل فتستعيره الشوارع مصباحاً لأرواحها وتحتضنه عريساً ونخلة وهوية، فأي معنى لشارع الوطن إن لم يمر به كاظم الحجاج ويكتبه شعراً مشتعلاً إلى الأبد، وأي جمال لساحة كأم البروم إن لم يتغن بها، وهكذا تزدحم المغايز بباعتها وبضاعاتها وناسها ولولاه لما ازدحمت، وتصطك أكف الخشابة البصراوية له، البصرة المدينة التي أحب تزدحم به وله، فقد انتمى لغدرانها وفسائلها منذ أن ولدا توأمين هو وشعره فقال القصائد كما لم يقلها إلا قلة أو قلائل..
على ضفة جدول يستريح الحجاج الجميل ونقول كاظم، أغنية نظران، بجسورها القصار وشناشيلها المترفات، أزقة باب الزبير والباشا والبلوش وشارع بشار وسمفونية حي الأرمن وصباح القرنة والفاو وأبي الخصيب، يشتعل شباباً كلما اشتعل شيباً، ويعزف أحلى كلما توجع العراق، أيها الساقي لدجلة شعراً وللفرات قل لنا كيف رأيت؟ وكيف احتدمت هكذا لكي نراك؟، قل كيف أضأت؟، اتقدت؟، وكيف التقى الماء بين يديك فكان شعر العرب؟، وكان شط العرب؟، وكنت أنت الذي رأى كل شيء من على ضفة جدول وحتى ضفاف المطر، وحدك الآن والشعراء، أيها العازف الناحل المستريح أرحنا ! فليس هنا سوى سواد حزين يصبغ هذي البلاد، وليس لدينا غير عراق جريح..
أيها الكاظم انفجر، طر بنا كي نعيش محلقين – كما قال أخوك الذي لم يمت بالطعنات- ابحر بنا ، كما قال أخوك : من مهب الى مهب ريح.