شتان بين النَهَميْن

– 1 –
في التاريخ أخبار كثيرة عمن كان لا يشبعُ من الطعام ..!!
يأكل ويأكل حتى يتعب ولكنه لا يشبع ..!!
منهم (ابن هندٍ) الذي دعاه الرسول (ص) ليكتب رسالةً معيّنة فاعتذر بالاكل، وتكرر الاعتذار أكثر من مرّة، فشملته دعوة الرسول (ص) :
« لا أشبَعَ الله له بطنا «
وبقي لا يعرف الشبع حتى الموت ..!!
كانوا يضعون له ألوان الطعام وكان يأكل حتى يتأوه ويقول :
لقد تعبتُ ولكن لم أشبع ..!!
وممن عرفوا بشدة النهم في الطعام (سليمان بن عبد الملك)
وجاء في أخباره :
انّ الطبّاخ جهز ثمانين دجاجةً مشوية لغدائِهِ وقد أكلها وتأوه كثيرا وتعب وكان يقول :
آه لم أشبع ..!!
وجاء في أخباره أيضا :
انه سأل يوماً « طبّاخه « الخاص قائلاً :
ماذا لديك من الطعام ؟
فقال :
لقد جهزتُ لك ثلاثة خِراف للغداء
قال :
أريد شيئاً الآن ..!!
فوضع الطبَّاخ على النار ما تيّسر من اللحوم، وقبل أنْتشوى بشكل كامل، حُملت اليه لاصراره على إحضارها ..!!
وعندما كان يضع يده عليها كانت يده تحترق من شدة حرارتها، فاضطر الى حمل اللحم بأطراف ثوبه (بِكُمّ الجُبّة التي كان يرتديها)
حتى لا تحترق يده ..!!
وبعد انقراض الحكم الاموي ، وَجَدَ (هارون) العباسي في خزائن الامويين عدة جُبب عليها بقايا من الدهون ،
وقيل له :
انها كانت لسليمان بن عبد الملك .
– 2 –
وأخبار أصحاب النهم في الأكل شائعة على الألسن في كل مكان وزمان، ولسنا بصدد الاستقصاء أو التفصيل الآن ..
– 3 –
اننا نريد المقارنة بين أصحاب النهم في الطعام وأصحاب النهم في الاستحواذ على المال العام .
ومن المعلوم :
ان النهم في اقتناص المال العام أخطر بكثير من النهم في أكل الطعام، ذلك أنَّ المليارات من الدولارات لا تُشبع الفريق الأول ، في حين انّ إعداد الطعام الكثير لا يقاس ثمنه بتلك الأرقام الفلكية المنهوبة من المال العام .
– 4 –
وتشير الاحصاءات الدقيقة ان مئات المليارات من الدولارات قد هُرّبت الى خارج الوطن ..
وانّ هناك فواتير ضخمة قدّمت على أنها فواتير مواد مستوردة الى العراق في حين انها لم تصل اليه يقينا …
– 5 –
والأغرب من كل ذلك انّ التقارير الدقيقة عن عمليات القرصنة تُركن على الرفوف، ولا تتخذ الاجراءات القانونية اللازمة بشأنها على الاطلاق ..!!
– 6 –
وحيتان الفساد لم تمتد لهم يد المساءلة والمحاسبة حتى الآن ولا ندري الى متى سيمتد الانتظار ؟!
– 7 –
ان الذي اضّر باقتصاد البلاد وأوصلها الى حافة الهاوية هو استمرار الفساد المالي والاداري الى الحدّ الذي تصدّر فيه العراق قوائم الدول التي ابتُليَت بالفساد المالي والاداري،وبقاء الحال على هذا المنوال يعتبر كارثة بحق المواطنين العراقيين كلهم ، لابل بحق الأجيال القادمة أيضا .
– 8 –
واذا كان استرجاع المنهوبات من الثروة الوطنية – جُلاَّ أو كلاَّ عملية معقدة صعبة .
فانّ الاصرار على وجوب المحاسبة والتدقيق لابُدَّ ان يخرجنا في النهاية من النفق المظلم .
حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة