عبدالزهرة محمد الهنداوي
بعيدا عن التفاؤل المفرط او التشاؤم غير المبرر وقريبا من الواقع .. نحاول هنا قراءة النتائج المتوقعة لمؤتمر الكويت للدول المانحة الخاص بإعادة الاعمار وتحقيق التنمية في العراق ، فالاستعدادات الكبيرة التي تقوم بها الحكومة الكويتية وحملة العلاقات العامة التي تضطلع بها العديد من الجهات في مقدمتها الحكومة العراقية والبنك الدولي ومنظمات الامم المتحدة فضلا عن الادارة الامريكية وبعض العواصم الاوربية والخليجية تشير إلى وجود رغبة لدى هذه الجهات من اجل ان يخرج المؤتمر بنتيجة ايجابية ، وان كانت بعض الجهات تسعى للترويج لنفسها عبر مؤتمر الكويت ، وبحسب التصريحات التي ادلى بها عدد من السفراء العاملين في بغداد وفي مقدمتهم السفير الامريكي دوغلاس سيليمان الذي كشف عن استعداد اكثر من 100 شركة امريكية للمساهمة في عمليات الاعمار ، جاء بعده السفير البريطاني ليعلن من الموصل ان بلاده مستعدة للمشاركة في اعمار المناطق المحررة ، وهناك السفير الاسترالي وسفير دولة الجيك وسفير الاتحاد الاوربي ، اعلنوا جميعهم استعداد بلادهم لدعم جهود الحكومة العراقية في تحقيق التنمية المطلوبة .. ولكن ، كما قلت ، علينا ان لا نعول كثيرا على المساعدات والقروض لأمر يتعلق بحجم الديون العراقية التي شهدت ارتفاعا في معدلاتها خلال السنوات الماضية نتيجة الازمة المالية والحرب ضد الارهاب لتصل إلى ما يقارب 100 مليار دولار بين دين خارجي وداخلي ، ولذلك فان اي ديون او قروض جديدة من شأنها زيادة حجم الدين الخارجي ليصبح مرهقا للاقتصاد الوطني .. ومن هنا يمكن ان نصل إلى الحقيقة الاهم في الواقع العراقي الجديد وهي حقيقة الاستثمار الواعد في جميع المحافظات العراقية من دون استثناء ، وفي هذا السياق تتحدث الحكومة العراقية عن وضع استراتيجية بعيدة المدى لإعادة الاعمار تغطي عشر سنوات للمدة من 2018-2027 ، وهذه الخطة تستهدف تحقيق التنمية في ثلاث مسارات اساسية ، الاول تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية وهذه تتضمن توفير الخدمات في مجالات الصحة والتعليم والمصالحة الاجتماعية وتوفير مياه الشرب وشبكات المجاري والكهرباء والعمل على تعافي الناس والمجتمع ، والمسار الثاني تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في مختلف القطاعات واستثمار الازمة في احداث تنمية حقيقية ، والثالث النهوض بواقع البنى التحتية ..وقد قدرت الكلفة الاجمالية للأعمار بنحو 100 مليار دولار ، ومعنى هذا اننا بحاجة إلى 10 مليارات دولار في كل عام على مدى اعوام الخطة العشرة ، وجميع تلك المسارات والتي لا تقتصر فقط على المناطق والمحافظات المحررة -وان كانت الاولوية لهذه المناطق وبحسب حجم الدمار والضرر الذي لحق بكل منطقة من تلك المناطق – انما تتسع لكل المحافظات ، ومن المؤكد ان مثل هذه الاموال في ظل استمرار الازمة المالية وارتفاع معدلات الانفاق الاستهلاكي ، لا يمكن توفيرها بالاعتماد على ما يجود به المجتمع الدولي من منح ومساعدات فقط ، بل علينا البحث عن مصادر تمويل اخرى اكثر فعالية وديمومة يمكن من خلالها تحقيق التنمية المستدامة ، ومن هنا تعود بنا خيوط البحث إلى نقطة سابقة اشرنا اليها قبل قليل في ثنايا الحديث ، وهي قضية الاستثمار ، فعندما يعلن السفير الامريكي عن وجود 100 شركة امريكية مستعدة للعمل في العراق ، وعندما يتلهف رجال الاعمال والمستثمرون السعوديون للدخول إلى العراق ، فهذا يؤكد بوضوح ان افاق الاستثمار في العراق ستشهد انطلاقة قوية خلال المرحلة المقبلة ، استثمار يقوم على اساس الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص ، او لنقل استثمار يجري من خلال اشراف الدولة التي تتولى رسم السياسات وإعلان المشاريع والفرص الاستثمارية امام المستثمرين ، واعتقد ان اعلان الهيئة الوطنية للاستثمار عن وجود اكثر من 157 فرصة استثمارية متاحة في عموم العراق سيتم عرضها امام الشركات العالمية في مؤتمر الكويت من بينها مشروع القطار المعلق في العاصمة بغداد ومشروع مدينة الحبانية والرزازة السياحيين ، ومشاريع اخرى في مجال السكن والنقل والصناعات التحويلية والغاز والزراعة والخدمات وسواها ، ستمثل بداية قوية ، لتحسين البيئة الاستثمارية في البلد ، .. وليس من المناسب هنا ونحن نتحدث عن المناخ الاستثماري الواعد ان نتجاوز قطاع المصارف ، لاسيما مصارف القطاع الخاص ودورها المنتظر في عمليات تمويل المشاريع التنموية في اطار تطبيق المعايير الحقيقية للشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وهذه تعد فرصة مهمة لهذا القطاع الحيوي لان يلعب دورا تنمويا فاعلا ويسهم في تحقيق الاستقرار المالي
عموما ، وبصرف النظر عن النتائج التي ننتظرها من مؤتمر الكويت ، فهي قطعا ستكون نتائج ايجابية سواء حصلنا على اموال ام لم نحصل ، فالمؤتمر يمثل فرصة حقيقية امام العراق للتعريف بواقعه التنموي والاستثماري ، كما انه يعد مناسبة مهمة لان يعترف المجتمع الدولي بالتزاماته الاخلاقية ازاء العراق الذي تعرض لضرر فادح بسبب مواجهته للإرهاب ، هذا الارهاب الذي كان يهدد العالم بأسره ، ولو لا صمود العراق بوجه داعش ومن ثم القضاء عليها ، فلربما كانت الخريطة العالمية مختلفة عما هي عليه الان .