د. أحمد عدنان الميالي
وصفت سياسات الرئيس الاميركي دونالد ترامب بعد عام على رئاسته بالكارثية وخاصة على مستوى السياسة الخارجية وتحديدا إزاء منطقة الشرق الأوسط، فشعاره «اميركا أولا» سبب لهذه السياسيات.
تتلخص السياسة الخارجية الاميركية في منطقة الشرق الأوسط على ثلاثة محاور: محاربة الإرهاب (حسب وجهة نظرها)، وتثبيت عملية السلام وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، ومحاربة النفوذ الإيراني.
في المحور الأول: تتبع الولايات المتحدة أسلوب القوة الخشنة في مواجهة الإرهاب، وهي أكثر تحركا من إدارة أوباما سواء في إسهامها بالتحالف الدولي في العراق أو موقفها من الأزمة السورية وأستمرار إستهدافها لتنظيم القاعدة في اليمن، فالموصل تحررت بعد مجيء ترامب وكذلك الرقة السورية بغض النظر عن النوايا وحجم المشاركة، لكن لا يمكن أن يقاس عهد أوباما بعهد ترامب خاصة أن الأخير أتهم سلفه بخلق تنظيم داعش وأنه عازم على إنهائه. ولكن إذا كان هدف مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة طريقا لإحلال السلام فما هي البدائل لتثبيت الأستقرار والسلام؟، البدائل تجسدت بتدشين قطيعة مع سبع دول عربية وإسلامية ومنعها من دخول الولايات المتحدة، وهذه خطوات لا تؤدي إلى السلام بل إلى واقع أكثر إحتقانا تلعب فيه صراعات الأديان والأعراق دورا محوريا فيه.
في المحور الثاني: تلخصت عملية صنع السلام في الشرق الأوسط بخطوات لا تسهم بإحلاله بل بمفاقمته وهنا تتعارض توجهات ترامب بالمحور الأول ويجعل موضوع تنشيط الجماعات المسلحة والإرهابية أكثر حضورا، ترامب أختار السعودية والملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان لقيادة هذه العملية القائمة على أساس التطبيع مع إقتران هذه السياسة باستحواذها على أموال هذه الدول وزرع الخلافات بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، ودعم هذا المحور لمواجهة المحاور المعارضة للتوجهات الاميركية الرافضة لعملية السلام وضمان أمن إسرائيل والإستفادة من هذه الخلافات لمراكمة الحصول على أكبر قدر من المكاسب والأموال والصفقات، وهذا ما حصل فعلا. لكن نشوة هذه السياسة لم تؤتِ ثمارها بعد قرار ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الاميركية للقدس ضرب مغزى السلام، وحرك الصراع العربي – الإسرائيلي برغم تنامي دول التطبيع علانية وسرا، إلا أن المواقف الدولية والعربية الدبلوماسية وقفت ضد قرار ترامب ولم تساند اميركا إلا ثمانية دول غير معروفة.
أما المحور الثالث: لم يخفِ ترامب تصعيده ضد إيران وأول ما هدد بإلغاء الإتفاق النووي الإيراني وحرك مندوبته في مجلس الأمن بالتصعيد ضد إيران في كل مناسبة، وكذا الحال في دعم الإحتجاجات الأخيرة في إيران ومحاولة تدويلها في مجلس الأمن، وعلى صعيد الواقع أيضا لا يروق لاميركا ترامب أن تتمدد إيران في العراق عبر بوابة الحشد الشعبي وهي تعمل جاهدة لمواجهة هذا النفوذ والتمدد سياسيا وقد تلجأ للمواجهة العسكرية غير المباشرة مع الحشد في أي وقت تشعر فيه اميركا بالخطر على مصالحها في العراق. أما في سوريا فهنالك من يقول أن اميركا لا تمتلك إستراتيجية واضحة فيها، هذا صحيح في عهد أوباما، أما ترامب فقرر التدخل وإنزال جنود المارينز والعمليات الخاصة في الرقة وتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية وهو الآن بصدد إنشاء حرس حدود أو أمن داخلي لأكثر من ثلاثة الآف متطوع من هذه القوات لرسم معالم كيان كُردي مستقل على الحدود التركية مع تنسيق الأوضاع مع روسيا في تقاسم النفوذ وهنا أثر هذا التدخل على الحليف التركي ودفعه للتقارب مع الروس والإيرانيين الذين خذلا أردوغان في أدلب وضربا إتفاقيات خفض التوتر والتصعيد عرض الحائط، مما يؤشر على أن تركيا الخاسر الأكبر من سياسة مواجهة محور المقاومة وإيران في سوريا. أما مواجهة إيران في الساحة اليمنية فهي تؤدي دورا مزدوجا في محاربة القاعدة بطائراتها المسيرة في حضر موت ومأرب لكنها تدعم الصراع العربي بقيادة السعودية والإمارات ضد أنصار الله الحوثيين وتغذيه لصالح التحالف لإضعاف الكماشة الإيرانية الداعمة للحوثيين وإشغالها في هذه الساحة المعقدة وحرفها عن بؤرة الصراع مع إسرائيل، أما في لبنان تشجع اميركا ترامب الإنقسامات السياسية ولا تدعم خيار الإنتخابات وتسمح بتحوير موقع الصراع بين حزب الله وإسرائيل إلى جهة التخالف بين المكونات عبر تجذير الخطاب الطائفي وما أزمة سعد الحريري وإحتجازه في الرياض إلا مصداقا لذلك فنعلم أن السعودية لا تخطو خطوة من دون موافقة واشنطن.
على مستوى إستراتيجية الأمن القومي التي أقرها البيت الأبيض قبل أيام تضمنت ملامح السياسة الخارجية العالمية وحددت بأربعة مخاطر: وهي روسيا وتدخلها في أوكرانيا، وسوريا وتغافلت عن مخاطر مؤكدة عن تدخلها في الإنتخابات الاميركية، وإستفتاء بريكست في المملكة المتحدة وكذلك الإنتخابات الرئاسة الفرنسية، وأيضا الصين وصعودها الإقتصادي ومنافستها للولايات المتحدة بتصدير السلاح والتقنيات الرخيصة مع تقاربها ضمن التوجهات الروسية أكثر من توجهات واشنطن، وأيضا مخاطر السلاح النووي الكوري الشمالي وكيفية مواجهة تهور قيادة بيونغ يانغ وتهدديها للمصالح الاميركية في جزر غوام وشبه الجزيرة الكورية ووضع آليات عقابية وتهيؤ أميركي لمخاطر استعمال بيونغ يانغ صواريخ ذات رؤوس نووية وطرق الإحتواء والمفاوضات أو اللجوء لخيارات الردع، وتطرقت الإستراتيجية لخطر إيران الذي ذكرناه أعلاه.
أما فيما يخص السياسات الداخلية لم يحقق ترامب الكثير من وعوده الإنتخابية عدا قانون الضريبة فلم يستطع إلغاء برنامج الرعاية الصحية «أوباما كير» ولم يستطع أن يشرع ببناء جدار الفصل مع المكسيك ومازالت سياساته تجاه المهاجرين عنصرية وغير مرضية، كما أنه أخفق في تمرير قانون الموازنة مما هدد بإغلاق الحكومة الفيدرالية وتم إقرار موازنة مؤقتة بسبب تمسكه بتمويل جدار المكسيك وزيادة الإنفاق العسكري على حساب وزارة الخارجية ووكالات إنفاقها كما أن التعيينات لهذه الوزارة ودرجات وظيفية أخرى مازالت شاغرة، ومازال ترامب يهاجم الإعلام ويهاجمه، ومازال الأمن الداخلي يتعرض لتحديات وثغرات وهجمات إرهابية، ولازال السلاح يمكن حيازته من قبل الجميع.
لكن يبقى هنالك تقدم إقتصادي والنفط الإحفوري مازال يحقق إكتفاء ذاتيا وتصاعد مستوى النمو، بالمجمل مع ذلك هنالك إحتجاحات وأصوات عريضة معارضة لسياسات ترامب الداخلية والخارجية ويبدو أنه يضع الولايات المتحدة في حالة عزلة بعد إنسحابه من إتفاقية المناخ في باريس وإتفاقية التجارة الحرة مع الصين وإعادة التفاوض حول معاهدة نافتا لدول اميركا الشمالية لأنها لا تروقه.
ما يمكن إستخلاصه من السنة التي مرت على رئاسة ترامب على صعيد السياسة الخارجية وما قيمهُ وتنبأ به البعض كهنري كيسنجر الذي قال: «إن بريق اميركا يتضاءل مع الرئيس ترامب، ووصف أفعاله بأنها غريبة عندما ضرب موظفيه ومرؤسيه بعضهم ببعض، ناهيك عن المكايدات السياسية التي يشرف عليها بنفسه، عطفاً على الشبهات الدائرة حول علاقاته بقوى أجنبية في مقدمتها روسيا. يكاد ضوء المصباح الاميركي أن ينطفئ شرق أوسطياً وعربياً وإسلامياً من جراء قرارات سياسية فوقية تمثل طعنات قاتلة لمليار ونصف أو أكثر من مسلمي العالم، كإعلان القدس عاصمة لدولة إسرائيل، تلك التي تضرب بالآخرين عرض الحائط، مستندة إلى القوة الخشنة الأميركية».
خلاصة ما يمكن قوله: إن دعم ترشيح ترامب ووصوله للرئاسة لا يمثل إلا مصالح لوبيات وتجمعات المال والنفط والأسلحة والتيارات اليمينية الأصولية المتشددة ومصالح إسرائيل، وهذه التوجهات هي التي جعلت من وصوله للبيت الأبيض مسألة قاتلت عليها تلك النخب العنصرية، لأن توجهاته ترتبط أولاً بمصالحهم الشخصية، قبل الحديث والبحث عن مصالح العوام من الشعب الاميركي.
في ظل إدارة ترامب يبدو أن واشنطن في العديد من سياساتها الخارجية والداخلية سترسخ خيارات مخيفة لتأريخ الديمقراطية والليبرالية الناظمة للمجتمع الاميركي وتدفع لتبني مفهوم يجعل اميركا تسير ضد العالم برمته، وهو طرح وخيار يتعارض ويتنافى مع صورة اميركا بعد الحرب العالمية الثانية في أول سنة رئاسة لدونالد ترامب.
* مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية / 2001 – 2018