في الثمانين ورزقه لا يتعدى خمسة آلاف دينار

بغداد – وداد إبراهيم:

ما إن بدأت تباشير الشتاء تدخل الأزقة والبيوت ويظهر حضوره اليومي في أجواء بغداد، نشأت حاجة البيوت الى المدفأة النفطية هذا ما يجعل ذلك الرجل المسن يخرج من بيته مبكرا متأملا أن هناك من سيكون في انتظاره متجها الى محله الصغير ويفتح أبوابه التي أظهرت تمردها بفعل البرد فكانت عصية عليه فتصدر أصوات العصيان.
يفتح محله الصغير المظلم البارد مثله مثل عدد من المحال التي تواجهك وأنت تدخل منطقة الشواكة (إحدى مناطق بغداد القديمة) وهي محال صغيرة باردة مظلمة على الرغم من وجود التيار الكهربائي، تكاد تختفي بين الخانات والبيوت القديمة لينتهي الزقاق الى علوة السمك.
جلس في محله وقد ازدحم بالأدوات وأجهزة التدفئة وبعض الأجهزة النفطية القديمة التي كانت تستعمل في البيوت حتى مرحلة الثمانينيات وقد تكون استقرت في البيوت حتى مرحلة التسعينيات من القرن الماضي، كان في انتظار مدفأة قد تأتي بها عجوز من عجائز الشواكة أو رجل محب للأدوات القديمة فيسعى لإصلاح ما جار عليه الزمن، لا شيء ولا جديد برغم شدة البرد، ينتصف النهار، ويفتح مدفأة قديمة كان قد أصلحها في وقت سابق إلا أن لا أحد جاء ليستردها، ولمبة بيضاء كان قد أصلحها قبل أسبوع وهو يأمل أن يأتي من يستردها ويأخذ هو ثمن ما أنجزه، مكان كل ما فيه يوحي بأن الحياة طويلة وانك أمام قصة عليك أن تترك الحديث كله لهذا الرجل الذي يعد آخر مصلح للمدفأة في شارع الشواكة وقد يكون آخر مصلح للمدفأة في بغداد حسن علوان عبود أبو كدر. وما أن سألته عن أبو كدر وطبيعة مهنته التي انقرضت فقال:
اسمي يحمل كلمة القدر الذي يستعمل للطبخ وكنيت بهذا الاسم لأن به كانت تُعد وجبات من الطعام للفقراء ومنظر القدور على النار كان مألوفا فصار الناس يطلقون عليه ابو كدر والتصق الاسم بالعائلة حتى الان. وقد اخذت مهنة تصليح المدفأة عن والدي والغريب اني لم اعرف غير هذه المهنة، وعملت بها منذ الستينيات من القرن الماضي، دخلت السوق مدفأة البالات لذا تراجع العمل في المدفأة التي تحمل اسم عشتار والتي تسمى باللهجة العامية(صوبه) وقد يمر اليوم بطوله من دون ان يطرق بابي اي زبون.
اغلق محلي حين يقترب العصر واقول اليوم يشتد البرد وغدا قد تكون امامي(صوبه) فأصلحها.
هذه المهنة تشكل لدي متعة بالأخص حين انتهي من اصلاح مدفأة وأوقدها واجد ان لهيبها اصبح احمر ومن ثم صار ازرق اي ان لا شوائب فيه، محصولي قد يصل الى خمسة آلاف دينار او بعض الاحيان لا شيء فلا يوجد من يمتلك هذا النوع من مدفأة عشتار.
وفاجأني بالإجابة حين قلت له: هل توافقني بأن يعاد صنع هذا النوع من المدفأة؟
اذ قال: لا طبعا لان هناك انواعاً كثيرة من اجهزة التدفئة الكهربائية والنفطية المنافسة لها مثل اليابانية وغيرها والموجودة في سوق البالات، وهذا يعني انها تباع بسعر رخيص والتي يفضلها المشتري على الاجهزة الغازية والكهربائية لانها تمتلك خاصية الأمان.
اما عن عمله فقال: كنت اعمل حتى الواحدة ليلا وانا أشهر وأقدم من يصلح اجهزة التدفئة النفطية وهناك ايضا سلمان كبه بالإضافة الى ذلك فأنا اصلح (اللمبة) يشير الى جهاز نفطي خاص بالطبخ ويقول هذه الة نفطية للطبخ كانت تستخدم في كل البيوت تقريبا والى الان البعض يمتلكها وانا افضل من يصلحها علما انها انقرضت وغير موجودة في اي مكان، يشير الى جهاز نفطي اخر(الجوله).
ويقول: ظهر هذا الجهاز في الثمانينيات وتراجع استخدامه خلال العشر سنوات الاخيرة انا أفضل من يصلحه.
قلت له هذه المهنة لا تدر عليك مصروف يوم فلماذا تتواصل في العمل.
-لا اعرف مهنة غيرها وانا الوحيد الذي يعمل بهذه المهنة، هي مكسبي وحصادي وانا على ابواب الثمانين من العمر فكيف لي ان اعمل او اتعلم غيرها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة