صدر مؤخراً عن دار الرافدين كتاب «الراوي والمروي له والقارئ» لمجموعة مؤلفين، ترجمه عن الفرنسية بشار سامي يشوع* .
ما يُميز هذا الكتاب أنه من الكتب القليلة التي تُرجمت عن النظرية السردية عن اللغات الأجنبية عموماً وعن اللغة الفرنسية على وجه الخصوص.
حاول المُترجم في مُقدمته للكتاب أن يُسلط الضوء على نتاج جيرار جينت الناقد الفرنسي الذي وضع نظرية في السرد حدد بها مستويات السرد الثلاث: الحكاية والقصة والسرد، وقد إعتمد المترجم على كتاب جينت «(Figures 111) (أشكال 111) الصادر 1972 والمترجم 1999، ولجينت كتابان سابقان «أشكال «11 الصادر عام 1969، و قبله «أشكال 11) الصادر عام 1966.
حاول جينت التمييز في نظريته السردية في تقنيات كتابة أشكال السرد الثلاث بين الكاتب والراوي والشخصية، في تأكيد منه على ضرورة الفصل بين الأشخاص الحقيقيين الذين يُشاركون في عملية التواصل، أي «الكاتب والجمهور» وبين الشخصيات المُتخيلة الذين يظهر لنا تواصلهم في النص «الراوي والمروي له». فالكاتب هو الشخص الحقيقي الذي كتب الشكل السردي، أما الراوي، فهو الشخص المُتخيل في الشكل السردي الذي يروي ويتحرك ويُحرَك بنية النص السردي الداخلية التي رسم حدودها كاتب النص، ولذلك فمهما حاولنا تمثل وجود هذه الشخصية المُتخيلة «الراوي» في الواقع، إلَا أن وجودها يبقى وجودا تصوري أكثر منه وجود حقيقي.
يُنهي المترجم كتابه بدراسة له بدراسة لرواية «موبي ديك» للروائي الأمريكي الإنكليزي الأصل «هيرمان ميلفل التي صدرت في عام 1851، هي رواية تتحدث عن قُبطان يُدعى «أهاب»، له قدم خشبية يتكأ عليه، رجل شديد، كان يهوى صيد الحيتان ليستخرج منها الزيت، لأن هذا الزيت غال الثمن، فإنطلق ومعه مجموعة الصيادين، ولكنهم لم يعلموا أن غاية «أهاب» لم تكن صيد الحيتان كما يرومون، إنما هي للإنتقام من الحوت الأبيض الذي تسبب بفقدان ساقه، وقد أطلق عليه أسم «موبي ديك»، وبعد قضاء ثلاثة أيام بلياليها في البحر يجد القبطان ضالته، ليكشف «ميلفل» عن صراع الإنسان مع الطبيعة اللانهائي، ليقضي الحوت «موبي ديك» على كل أفراد المركب من البحارة، ولم يبق منهم سوى إسماعيل الذي يجد له تابوتاً يختبئ به، فيكون هذا التابوت طوق النجاة له.
حاول المترجم بدراسته لرواية «موبي ديك» إظهار «الهوية المزدوجة» بين «الراوي» والمروي له»، فمرة يكون إسماعيل هو «الراوي» وأُخرى يكون هو «المروي له». ولكن «الراوي في رواية «موبي ديك» لا يتواجد في حقيقة الأمر إلَا في داخل النص،… (لذلك)، فالتمييز بين القارئ والمروي له مُناظرٌ للتمييز بين المؤلف والراوي، ولكن القارئ هو الحقيقي الحي الذي يُمسك الكتاب بين يديه، وليس للمروي إلَا وجود نصي» «مُتخيل».
الجدير بالذكر:
ـ الراوي والمروي له والقارئ: مجموعة مؤلفين، ترجم عن الفرنسية: بشار سامي يشوع، دار الرافدين، بغداد، بيروت، ط1، 1918. الكتاب من القطع المتوسط، عد صفحاته: 76.
ـ المترجم: أستاذ الأدب الفرنسي المساعد في كلية الآداب في الجامعة المستنصرية. يُترجم عن الفرنسية، له ترجمة لكتاب سلطة التفاؤل لآلان لوي مك جينيس، صدر أيضاً عن دار الرافدين، بفداد/بيروت، ط1، 2017. وله بحوث ودراسات في الأدب الفرنسي.
الراوي والمروي له والقارئ
التعليقات مغلقة