استطيع ان اكون واثقا ان احدا من رؤوس البلاد السياسية لايستطيع ان يجيب على اخطر الاسئلة الآن وهو ..اين يتجه العراق؟ .. ولم استطع ان اقتنع بجواب أي من هذه الرؤوس في كافة اللقاءات الصحفية والفضائية ، ولا في ادبيات الاحزاب الحاكمة والمعارضة والمتحالفة والائتلافات بكل تنويعاتها..وهذا السؤل كان عصيا على الاجوبة منذ ان سقط الحكم الملكي في 14 تموز عام 1958..
فلم تكن الوجهة واضحة بعد الثورة .. وقد اعترفت احزاب جبهة الاتحاد الوطني، ، بان تحالفهم كان لاسقاط الحكم الملكي دون الاتفاق على برنامج ما بعد الثورة، ولان الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن يعرف ايضا الى اين تتجه السفينة العراقية فقد غرقت البلاد بفوضى الاحتراب السياسي ، التي توجت المرحلة بانقلاب 8 شباط الاسود ، الذي اسماه البعثيون بـ “عروس الثورات” ..
وفي تلك المرحلة السوداء ، لم يكن ممكننا طرح السؤال لكنه كان حاضرا بقوة ، لدى القيادات البعثية التي غرقت هي الاخرى في تأريخ قصير من الصراعات والتصفيات ، ولم يكن من الممكن معرفة الطريق الذي تسير فيه الاحداث ، حتى انقلب السحر على الساحر ، واطاح عبد السلام عارف بحلفاء الامس من البعثيين في الثامن عشر تشرين الاول عام 1964، وتمددت فترة عبد السلام بتنقله بين المحافظات وتوزيع وعوده مع الاهازيج التي رافقتها ، ولم يكن بامكان اي مسؤول في دولة الترهل والضعف ، ان يسأل السؤال نفسه ويجيب عليه، وهو نمط الدولة التي تواصلت بعد موت عبد السلام المشكوك فيه ،بسقوط طائرة الهليكوبتر التي كانت تقله من البصرة الى بغداد عام 1966، ومجيء شقيقه عبد الرحمن الفاقد لزمام اي شيء ، ولم يكن بامكان احد ان يجيب أيضا على السؤال ذاته ..اين يتجه العراق ؟
وحين عاد البعثيون الى السلطة في السابع عشرمن تموز عام 1968بالقطار المزدوج الاميركي البريطاني ، دخلت البلاد في منطقة رمادية ، حتى صعود صدام حسين عام 1979 الذي افتتح “عهده الزاهر” بحرب الثمان سنوات التي انتهت عام 1988، ليغرق البلاد بعد سنتين بحرب متنوعة الاشكال ابتدأت باجتياح الجار العربي الكويت وانتهت بسقوط الدكتاتور دون ان تسقط الدكتاتورية !! ولم يكن بامكان احد ان يحلم بالسؤال وليس بجوابه “اين يتجه العراق؟”
كانت اتجاهات العراق شعاراتية من الطراز الاول ، وكان من السهولة الاكتشاف ، ان الشعارات تسير في واد فيما حركة البلاد في واد آخر ..والآن .. من يقول لنا الى اين يتجه العراق؟ لا اظن ان احدا يغامر بالاجابة على السؤال ، دون ان يدخل في حقل الغام يشتت توجهاته ، بل يعميها في اماكن الخطوط الحمر !!
نحتاج ان نعرف الى اين نتجه ، لكي نعرف ماذا نفعل ؟
ونحتاج ان نحدد الهدف الحقيقي والواقعي والذي يشترك الجميع في رغبة الوصول اليه ، وغير ذلك لن نجد انفسنا الا “دايحين” في المناطق الرمادية والانفاق السرّية و انصاف الحروب الاهلية ، ومتنقلين في مربعات اللعبة السياسية .. من المربع الاول الى المجهول !!