تفاعلت قضية نساء اوروبيات سلفيات مع اعلان تنظيم داعش ” دولة خلافته” في الموصل يونيو 2014، وظهرت من جديد للواجهة بعد استعادة مدينة الموصل خلال شهر يونيو 2017 وفي اعقاب كشف الحكومة العراقية عن اسر مقاتلات اجنبيات الى جانب داعش بينهن اربع نساء. وجود نساء اوروبيات يقاتلن الى جانب داعش اكثر مما يكونن زوجات دواعش، يثير الكثير من التسائولات. فما هي اسباب التحاقهن، رغم ان الظروف المتوفرة لهن في اوروبا، لا توجد لها مقارنة مع الحياة في ظل ” خلافة داعش” .
فهل كانت الدوافع، علاقات رومانسية، ام تطرف وتعرضهن الى غسيل دماغ، ام البحث عن المغامرة وتغيير الصورة النمطية ؟
ألقت قوات الامن العراقية فى 15 يوليو 2017 القبض على فتاة ألمانية عملت قناصا لدى داعش أثناء حرب الموصل ، والفتاة كانت تلميذة في الـ 16 من عمرها، اسمها “ليندا وينزيل”، من بلدة “بولسنيتز” بالقرب من “دريسدن”.
وكانت ليندا قد هربت من ألمانيا بخدعة مثلت فيها أنها هي أمها “كاترين”، واستخدمت التفويض المصرفي المزور وأوراق هوية والدتها المزورة لشراء تذكرة إلى اسطنبول، وسافرت من فرانكفورت إلى تركيا،. قبل أن تواصل طريقها إلى سوريا،وكانت “ليندا” التي غيرت اسمها إلى “مريم”، تنشر أحيانا صورا لنفسها على صفحتها بفيسبوك، تظهرها وهي ترتدي الحجاب.
تعتقد الشرطة الألمانية أن “ليندا” وقعت في علاقة رومانسية مع داعشي قابلته عبر الإنترنت، وأقنعها بالانتقال إلى سوريا للانضمام لهم والعيش بجواره، وكانت “ليندا” تحت مراقبة مسئولي المخابرات الألمانية ضمن دائرة المشتبه فيهم بالتخطيط لجرائم خطيرة ضد الدولة، قبل أن تهرب إلى الخارج وتسقط مع الجماعات التابعة لتنظيم “داعش”، ومن ثم تهريبها إلى العراق.
وعبرت الفتاة الألمانية” ليندا” في مقابلة مع جريدة “زود دويتشه تسايتونغ” وتلفزيونيNDR و WDR الألمانيان عن ندمها على فعلتها،وقالت “أريد العودة لبيتي ولعائلتي، أريد الابتعاد عن الحرب والسلاح والضجيج”.،ومن غير الواضح حتى اللحظة كيف تم تجنيد ليندا وجرها لبراثن التطرف، كل ما قالته حتى الآن أنها وصلت العراق عن طريق تركيا فسوريا للزواج من أحد مقاتلي داعش، الذي قُتل بعد وصولها بفترة قصيرة.
المقاتلون الألمان مع “داعش”
خلال عام 2017
سافر أكثر من 900 متطرف إلى مناطق الحرب في العالم للالتحاق في صفوف تنظيم “داعش” أو للتدريب في المعسكرات الإرهابية، عاد ثلثهم إلى ألمانيا أو إلى دول أوروبية أخرى، وقدر المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في الوقت الراهن عدد 570 من الإرهابيين المحتملين.
من جانبه تحدث رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور الألماني (المخابرات الداخلية)”هانس جورج ماسن “عن 1600 إسلاموي من الإرهابيين المحتملين، وسبب الاختلاف في تقدير العدد هو أن المكتب الاتحادي لحماية الدستور يضع معايير مختلفة لمراقبة الأشخاص ذوي الميول الإرهابية عن معايير الشرطة.
يوجد في ألمانيا العديد من الحملات والبرامج للحماية من التطرف، إلا أن عدد الإسلامويين في تزايد مستمر في ألمانيا، حيث بلغ في الوقت الراهن 10 آلاف سلفي، مقابل 8600 عام 2016، بحسب إحصائيات المكتب الاتحادي لحماية الدستور.
ويراقب مكتب حماية الدستور الألماني حوالي 90 مسجداً بالإضافة إلى مجموعات صغيرة ممن يمكن تسميتهم بـ “الإرهابيين المحتملين”. وهذا لا يعني بالضرورة أن تشكل 90 خلية إرهابية خطراً.
شبكات لتجنيد النساء عبر الانترنيت
قال “بوركهاردت فراير” رئيس دائرة حماية الدستور (الأمن العامة) في ولاية “الراين” الشمالي “فيستفاليا”، إن المتطرفين في ألمانيا يعملون على التقرب من المسلمات المراهقات وإغرائهن بالالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بوعود زائفة حول الزواج والمساواة بالمقاتلين، وأوضح أن هذه الوعود سرعان ما تتبخر وتنكشف على أنها اضطهاد وعنف وجريمة.
ورصدت مجموعة “الوقاية من الإرهاب”، التابعة لوزارة الداخلية، خطابات إلكترونية مكثفة للمتطرفين على الإنترنت إلى المراهقات المسلمات المقيمات في ألمانيا، وتنجح هذه المحاولات أكثر مما في السابق في توريط المراهقات في العمل مع التنظيمات المتطرفة، وتصور هذه الرسائل الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة على أنه احترام حد «الملوكية» للمرأة، لأنها تقوم على ولادة وتنشئة الجيل المقبل من المقاتلين.
وأضاف “بوركهاردت”، أمام اللجنة النسائية في برلمان الولاية ، إن نسبة النساء بين المتطرفين زادت بشكل ظاهر في السنوات الخمس الأخيرة، وتشكل النساء، خصوصاً المراهقات، 15 في المائة من مجموع المتطرفين في الولاية الذين يقدر عددهم بـ2900 متطرف، والتحقت 70 امرأة بالتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق من مجموع 249 متطرفاً يشاركون في الحرب هناك منذ سنة 2012.
ويتضح من تقرير مجموعة “الوقاية من الإرهاب” أن الخطر الآتي من الألمانيات المسيحيات اللاتي اعتنقن الإسلام أكبر من خطر المسلمات في ألمانيا، وتشكل الألمانيات المتحولات للإسلام نسبة 33 في المائة من الملتحقات بالقتال في سوريا والعراق، في حين أن نسبة المسلمات الأصليات لا تزيد على 17 في المائة.
أسباب التحاق الشابات من ألمانيا
أستغل “داعش”، وبشكل كبير، شبكات التواصل الاجتماعي لتجنيد للشباب والشابات، ولا تقوم استراتيجية التنظيم الاتصالية في شبكات التواصل على تقديم فيديوهات العنف والقتل وقطع الرؤوس فقط، بل يقوم التنظيم بتبني استراتيجية معينة تناسب كل مجموعة مستهدفة من ضحاياه.
على سبيل المثال، يتم تسويق فكرة الذهاب لسوريا والعراق للزواج من أحد الدواعش على أنها مغامرة مثيرة وأن الفتاة ستلتقي هناك بفارس أحلامها القوي، الذي سيحميها ويدافع عنها ويفديها بروحه، ويبث التنظيم على شبكات التواصل، “كاليوتيوب وانستغرام وسناب شات” مواد عن قصص حب بين محاربين شجعان وفتيات غربيات أو فيديوهات يظهر فيها الدواعش كرجال لطفاء يلعبون ويداعبون القطط.
وحسب ما ذكرته بعض الصحف الأوربية، فإن تنظيم “داعش” يقوم بالتغرير بهؤلاء الفتيات عن طريق التركيز على الحديث عن الحياة الأسرية التي تنتظرهن في “داعش”، وتتركز هذه الحياة على “مباهج” كثيرة منها “إنجاب مقاتلين جدد يجاهدون في سبيل الدولة الإسلامية”.
ومن جانبه يرى الباحث السياسي “رالف غضبان” في حديث لـ DWعربية أن “ما يدفع هؤلاء الفتيات إلى الالتحاق بداعش ليس سببا دينيا، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون والتي تسمها الرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى”.
تدابير وإجراءات مكافحة
الإرهاب بألمانيا
ذكرت صحيفة “فرانكفورتر الغيماينة” الواسعة الانتشار، أن الأمن الألماني بدأ فى استخدام نظام جديد لتقييم الخطرين يطلق عليه اسم «رادار داعش». وجاء في تقرير للصحيفة المعروفة ، أن اسم النظام هو «Radar – iTE»، وهو مختصر يشير فيه الحرفان «آي» و«تي» إلى إرهاب المتطرفين.
وعملت مجموعة من الخبراء في الإرهاب والجريمة وعلم النفس والاجتماع، من مؤسسات الشرطة ومن بعض الجامعات الألمانية، على وضع مفردات نظام الكشف المبكر عن الإرهابيين في ألمانيا واستخدمت المجموعة البيانات المتوفر في «بنك المعلومات الأوروبي» حول الإرهاب في تقييم كل متهم بالإرهاب على حدة.
وضمّن الباحثون في الرادار سجلات الخطرين والمعطيات حول محيطهم العائلي ومحيط أصدقائهم، والمساجد التي يزورونها،وتحتوي القاعدة المعلوماتية لـ”رادار داعش” أيضاً على معلومات حول معرفة «الخطر» بالسلاح والمتفجرات، وميول المشتبه فيه نحو العنف، باعتبارها معلومات تعين في تصنيف المشتبه فيهم بالإرهاب.
وتعتزم الحكومة الألمانية تشديد قوانين مكافحة الإرهاب، جاء ذلك وفقا لما أكده “هايكو ماس” وزير العدل الألماني فى 10 يناير 2017 بعد لقائه مع وزير الداخلية الألماني “توماس دي ميزير”،واتفق وزيرا العدل والداخلية في ألمانيا “هايكو ماس” و”توماس دي ميزير” على تكثيف التعاون بينهما والتزام الشدة والحسم في مواجهة الأشخاص الذين يشكلون مصدر خطر على الأمن في ألمانيا.
ومن المنتظر إدخال إصلاحات على قوانين مكافحة الإرهاب، منها تسهيل إقامة سجن للترحيلات والاستعانة بنظام المراقبة الإلكترونية المعروف بـ “نظام السوار الإلكتروني” الذي يوضع في القدم، وتقدير المخاطر الأمنية المتوقعة ، واتخاذ إجراءات وقائية لمكافحة الإرهاب في حالة الضرورة، مثل الرقابة على المكالمات الهاتفية أو وضع هذه العناصر تحت المراقبة ،وتسريع عمليات الترحيل لمن ترفض طلبات لجوئهم، وتنظيم أكبر للجمعيات الإسلامية في ألمانيا لمنع الإرهاب.
تعتبر النساء أسهل إقناعا من الرجال ، فتصطادهن شباك داعش أسرع، وقد تكون رغبة النساء في تغيير الصورة النمطية عن المرأة المسلمة دافعا فتقعن في الشباك بسهولة، لكن بغض النظر عن الأسباب فإن النتيجة واحدة، نساء متطرفين أكثر يغرر بهن فيتحولن لأدوات عمياء في يد تنظيم متطرف رأى في الأنوثة هدفا سهلا يجنبه خسارة المزيد من رجاله، فالإحصاءات تؤكد ارتفاع وتيرة تجنيد النساء بعد الهزائم المتتالية التي مني بها التنظيم مؤخرا، وأن خطوة ارتماء المراة في كنف “داعش” تكون في أحيان كثيرة محاولة للتكفير عن الذنوب والحياة الصاخبة التي عاشتها بعضهن في السابق، فيعتقدن في “التطرف” مخرجا أو توبة.
*عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات