جرجيس كوليزادة
اسم اقليم كردستان مثبت في الدستور الدائم العراقي، ونسخة من هذه اللائحة القانونية مودعة لدى الأمم المتحددة كوثيقة رسمية، ولهذا من الطبيعي ان تستعمل الاسماء الواردة فيها رسميا على نظاق دول العالم، ومنها ان تعامل بصورة طبيعية وقانونية مع تسمية الاقليم لانها منطوية قانونا تحت اطار السيادة العراقية، ولهذا نجد ان الكثير من البلدان ومنها دول عربية قد فتحت قنصليات لها وتعاملت بنحو طبيعي وقانوني مع اسم اقليم كردستان، الا ان تركيا الحليفة لمسعود البارزاني ترفض استعمال هذه التسمية لدواع عنصرية وشوفينية تجاه الكرد بصورة عامة وتجاه الاقليم بصورة خاصة، وبدلا من ذلك تستخدم ادارة شمال العراق، وامعانا في سياسة أنقرة المتسمة بالحقد بدأت بالعمل من خلال حزب العدالة والتنمية الحاكم لمنع استعمال كلمة كردستان في محادثات وخطابات النواب الكرد في البرلمان التركي، وكذلك فان حزب اردوغان بدأ بالتمهيد لمنع استعمال اللغة الكردية نهائيا.
هذه السياسة المقيتة البعيدة عن القيم الديمقراطية والانسانية للنظام التركي والتي بدأت تجابه بالرفض تماما من قبل الاتحاد الاوروبي، وخاصة بعد المحاولة الانقلابية التي استهدفت تنحية اردوغان وحزبه من الحكم، ونتيجة للغرور الذي أصاب رئيس النظام بسبب فشل الانقلاب بدأ ينظر للجميع انهم أعداء وارهابيين، وبات يرمي بالتهم شمالا ويمينا، للافراد وللجماعات، واخر ما خرج به أردوغان هو اتهامه للشعب الكردي في تركيا واصفا اياهم بالارهاب والذي يقدر عددهم بأكثر من عشرين مليون نسمة.
وامتدادا للسياسات التوسعية للنظام التركي وتدخلاته في شؤون العراق وسوريا وقطر ومصر وقطاع غزة، بات ينظر منذ عقدين للوضع القائم في اقليم كردستان من زاوية رعاية مصالحه، ويحسب له حسابا خاصا من حيث الجوانب الاقتصادية والنفطية والتجارية، وقد تمكن من فرض شروطه على حليفه البارزاني وسلطته وحزبه وحكومته ولعقود طوال، ولكن مع هذا فهو يعمل ويخطط من أجل هدف اخر أكبر وهو اعادة ولاية الموصل الى الدولة التركية ومن ضمنها محافظات الاقليم، وليس ببعيد أن يستغل الاستفتاء المؤمل اجرائه بعد شهرين ونصف في الاقليم، حيث حسب الرؤية العسكرية والأمنية والسياسية للنظام التركي ممكن ان يستثمر النتائج وما يتبع الاستفتاء من افرازات وان يقدم على خطوة غير متوقعة وهو احتلال اقليم كردستان بعملية شبيهة لعملية الغزو العسكري لشمال قبرص سنة 1974.
واليوم يأتي وزير خارجية تركيا ليقوي هذا الاحتمال من خلال الكشف عن شروط بلاده في حال قيام دولة في شمال العراق في تصريح لـقناة رسمية تركية، حيث أكد «أنهم إذا في المستقبل أيدوا قيام دولة في شمال العراق، فان بلاده لديها شروطاً حيال ذلك أغلبها شروط عسكرية»، وكشف أن اقليم كردستان «يجب أن يكون مثل شمال قبرص في متناول يد تركيا وأن تكون قرارات أنقرة سارية المفعول فيه، ويجب استعمال أراضيه لضرب مقرات ومواقع مقاتلي حزب العمال الكردستاني»، ومؤكدا أنه «يجب ان يتم ذلك وفق اتفاق جديد بحيث تبقى القوات التركية في أراضيه، اضافة الى زيادة عدد القوات التركية هناك لضرب حزب العمال الكردستاني».
وفي مقال نشر على هذا المنبر قبل فترة بعنوان «مفاهيم حاطئة ومشوهة عن الاستفتاء الكردي» اشرت الى احتمال مخطط يعد له في هذا الاتجاه، حيث بينت انه «يساق ان خطوة البارزاني (الاستفتاء) مضمونة النتائج من قبل انقرة ولا علاقة لها بتركيا، بينما الحقيقة تؤكد ان بعض المعطيات يشير في حال تعرضه الى مخاطر في مرحلة ما بعد تحرير الموصل، فانه قد يلجأ الى استعمال ورقة الاستفتاء مع تركيا لتسليم ادارة نفوذه في المنطقة الصفراء مع ولاية الموصل الى سلطة أنقرة بتدخل وغزو مباشر من الجيش التركي مثلما حصل من غزو واحتلال لشمال قبرص في السبعينيات، والتعامل الناعم للحكومة التركية واردوغان مع البارزاني حول الاستفتاء قد يكون مؤشرا على قرب تحقيق هذا الاحتمال».
ويأتي هذا المنظور السياسي للنظام الحاكم في تركيا باتجاه الاقليم في سياق الحفاظ على الأمن القومي، وكثيرا ما يتحجج أردوغان بهذا لتبرير سياساته القمعية والعدوانية، ومن هذا المنطلق بدأ الرئيس التركي بممارسة سلوكيات حكم الرجل الواحد وفرض سياسة الحاكم والحزب الواحد، وبدلا من الالتزام بالسياسة البنائية والعقلانية والانفتاحية التي انتهجها السسياسي الأكاديمي المحنك ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، فان أردوغان سار بعكس الاتجاه، وانتهج سياسة قمعية خاصة بعد فشل المحاولة الانقلابية قبل عام، حتى وصل الأمر به الى اهانة الترك وإزدراء الجيش والمؤسسة العسكرية، واتضح هذا الامر بصورة جلية في الملصقات الاعلانية التي نشرتها الرئاسة التركية بمناسبة الذكرى الاولى لفشل الانقلاب، ولو ان المحاولة وصفت من قبل بعض المراقبين بأنها مصطنعة لتمرير التوجهات والقرارات الأردوغانية لتصفية المؤسسات العسكرية والمدنية والقضائية وذلك لغرض فرض السيطرة الكاملة على جل مفاصل الحكم في تركيا.
وللتذكير بمساوئ وقمع الرئيس اردوغان فان السياسات الرسمية لهذا السلطان الجائر لم تقف عند حد معين بل امتد وسار باتجاه الاستبداد واعمام اتهام الفرد على الجميع، وفرض عقوبات جماعية بعشرات الالوف، ولهذا بدأ يوصف من قبل الاعلام الاوروبي بالحاكم المستبد، وكما جاء في تقرير لـ»ايلاف» فقد اتخذت حكومته وادارته اجراءات قانونية ضد 169013 شخصا فى اعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، وهو رقم يشمل اعتقال 50010 شخصا، وأظهرت البانات أن 138148 شخصا فقدوا وظائفهم الحكومية نتيجة عملية التطهير، وألقاء القبض على 50510 أشخاص من بينهم 169 جنرالا و 7098 كولونيلا وضباطا من الرتب الدنيا فضلا عن 8815 من موظفي الأمن و 24 من الحكام و 73 من نواب الحكام، و 116 محافظا، و 31784 من المشتبه بهم بالمشاركة، وخضوع 48939 شخصا للمراقبة بما في ذلك 3046 جنديا و 5024 ضابط شرطة و 9 محافظين و 27 نائب حاكم و 73 محافظا فرعيا و39041 شخصا آخرين مشتبها بهم، ومذكرات اعتقال معلقة بحق 8087 شخصا، 152 منهم ضباط عسكريون و 392 من ضباط الشرطة وثلاثة حكام، كما ان 4231 من اعضاء السلطة القضائية هم ايضا من بين المعتقلين بينهم 2802 قاض ومدعي عام، و 105 اعضاء في محكمة الاستئناف، و41 من أعضاء مجلس الدولة، وعضوان في المحكمة الدستورية، وثلاثة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، وكشفت الاحصاءات المستقلة طرد 138148 شخصا من وظائفهم وألقاء القبض على 55927 آخرين، منهم 269 صحفيا، وبالاضافة الى ذلك اغلاق 3520 كيانا ومؤسسة، بينها 195 وسيلة اعلام، و1284 مدرسة، و 15 جامعة، و19 نقابة عمالية.
واضافة الى هذه الاعماال الاستبدادية والقمعية التي لجأ اليها أردوغان فقد بدأ بوصف كل معارض له من الترك والكرد معا بالارهاب، ومن هؤلاء زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش واعضاء برلمانيين من الكرد، وتشير البيانات الى اعتقال 15 نائبا كرديا، و65 رئيس بلدية منتخب، و44 من رؤساء الولايات والمدن الكردية، واضافة الى اعتتقال اكثر من 22 الف من انصار الشعوب الديمقراطية، وتدمير أكثر من 70 مدينة وتهجير اكثر من 800 قرية كردية، اضافة الى فرض حالة الطواريء من قبل القوات العسكرية باستمرار على المدن في المناطق الكردية، وآخر تحدي قمعي استبدادي عنصري شوفيني لأردوغان هو وصفه للكرد وهم بعشرات الملايين في تركيا بالارهابيين لأنهم في الانتخابات البرلمانية صوتوا لحزب الشعوب الديمقراطية ولم يصوتوا لحزبه العدالة والتنمية، وهذا نموذج متغطرس للتفكير السياسي لشخص بمننصب رئيس دولة، فأي عقلية تتحكم بأفكار وسلوك هذا الدكتاتور المتربع على رئاسة الدولة التركية.
لقد سردنا عمدا هذه الارقام المرعبة والمخيفة عن السياسة العدوانية والاستبدادية للنظام التركي وللرئيس أردوغان تجاه الشعب والمواطنين الترك، وتجاه الكرد في تركيا، ومازال القمع والعدوان والطغيان مستمرا والضحايا بالمئات والالوف، وان كان هذا الوجه الحقيقي لاردوغان ونظامه وحزبه وسلطته الجائرة تجاه شعبه ومواطنيه، فكيف بزمام الامور وحال الكرد اذا وقع اقليم كردستان تحت سطوته وحكمه وولايته، وكما ذهب اليه وزير خارجيته من شروط وطلبات فان تركيا تريد ان تكون حاكما مطلقا للاقليم وليس راعيا او حاميا لحليفه البارزاني، وبهذه الحال فان الاستقلال الذي يبغيه بعض أهل الاقليم سيكون كارثيا لانه سوف يسحق تحت اقدام الجنود الأتراك، وستكون أنقرة قوة غازية ومحتلة، وبذلك سيخسر الكرد الاقليم الفيدرالي الدستوري الوحيد المعترف به عراقيا واقليميا ودوليا في تاريخهم الحديث، ويومها لا ينفع الندم ولا البكاء على الأطلال.
ولهذا فان الضرورات الموضوعية تحتم على الاقليم وعلى الكرد جميعا وعلى الاحزاب الكردستانية وعلى قادتها، وخاصة السيد مسعود البارزاني التنبه الشديد من المخططات التركية، وعدم الانصياع للاغراءات التي قد تطرحها أنقرة وحكومتها ورئيسها المستبد أردوغان للوقوع في الفخ العثماني الجديد، وهذا يتطلب اليقظة والحذر من الكرد وذلك لحماية الاقليم من كل مكروه يأتيه من الحدود الشمالية، وفي كل الأحوال ومقابل هذه السيناريوهات الاقليمية فان الاسناد بالعراق والعودة الى بغداد والى الحكومة الاتحادية والى الدستور الدائم الضمان الأمثل لاقليم كردستان لحمايته من كل اعتداء وللاتفاق على أساس متين لتعايش مشترك على أساس الشراكة الحقيقية، وهذه العودة تضمن التوافق على رؤية استراتيجية متوسطة المدى لتحديد مصير الاقليم مع العراق في المستقبل المنظور، ولا شك ان تحقيق التفاهمات الجدية ضمن هذه الرؤية بين بغداد وأربيل على وفق رؤى عملية على اساس المصالح المشتركة ستحمل خيرا كثيرا وممستقبلا زاهرا للطرفين، وسيكون دافعا قويا لارساء علاقات متينة بين الشعبين لصالح العراق والاقليم، وأخيرا وما دعوانا الا الخير لجميع العراقيين من العرب والكرد ومن كل القوميات والاديان والمذاهب، والله من وراء القصد.
(*) كاتب صحفي