التضامن الاجتماعي.. والتنمية(2)

يعدّ الحشد الشعبي فعلا استثنائيا لحالة مجتمعية كانت تعاني من الضعف في التعامل مع الشأن العام، او، في تصدع الغيرة على الآخرين واحياناً على الوطن؟ اعني، كان المجتمع يقف، اكثر الاحيان، متفرجاً على ما يحيطه من اخطار تداهم مستقبله، ولا يبادر الى تصويب الامور. واظن ان الامر يعود، في سبب مهم من الاسباب، الى تراجع الثقة بالشعارات والنخوات، والاصح، تراجع هذه الثقة باصحاب تلك الشعارات، وقد شكل هذا الشعور من المرارة خلفية لتصدع «همة» وروح العمل التطوعي المنتج، العمل العام، اضافة الى غياب الامثولة الملهمة للملايين لكي تنخرط في اعمال التطوع الاجتماعي لاعادة البناء وترشيد الخدمات ومبادرات التنظيف والتبرع والاحسان، ويلعب «المسؤول» وحسن ادارته لشؤون الوظيفة دورا مهما في توسيع مبادرات الانخراط الطوعي في انشطة العمل العام، التي تصبح، في منعطفات معينة من تاريخ الشعوب(مثل الفيضانات. الحرائق. الزلازل. الكوارث. التهديدات الخارجية) بمنزلة مبادرات انقاذ، او غرائز انسانية نبيلة لحماية البلاد.
ويحسن ان نتذكر ان الكثير من التعاليم الاسلامية والمسيحية، وجميع الاديان، تشجع على العمل العام والتطوع وتلزم الانسان بالعمل من اجل غيره، فالعمل من اجل الغير في جميع هذه الاديان «يقرب الانسان من الله» وقد ذهب الفيلسوف الالماني هيغل الى تصوير العمل بالجهد الذي يحيل فيه الانسان الطبيعة الى اداة لخير المجموع ليصبح في نهاية الامر سيد الطبيعة، وفي الفكر الانساني عموما، تأكيد على ان تحرر الانسان من تهديدات الطبيعة تم، ويتم، عبر سلسلة مديدة من الاعمال الجمعية غير المأجورة، او العمل التطوعي.
وفي جميع الاحوال، يحدث ما يسميه الباحثون الثنائية بين العمل العام والعمل الخاص، ويبرز الافتراق بينهما، في حالتين، الاولى، الانانية التي تتهرب من تقديم أي خدمة او عمل تطوعي للمجتمع، والثانية، الافتداء بالنفس والمصالح الذاتية في سبيل المجتمع، ولسنا هنا بصدد الاستطراد في هذين الوجهين من العمل العام، بل الاشارة الى تردي حال «العمل العام» في البيئة السياسية العراقية «الانتقالية» الحالية، حيث تراجعت هذه الفعالية الى ادنى منسوب لها، وبالاخص في عيون العامة من الناس، زادها فيضان المعلومات، والشائعات، واعمال التشهير والفضائح ومطاعن الفساد، والاثراء غير المشروع، ومظاهر النعمة المفاجئة، والانانيات الفئوية والقبلية والعائلية. ولعل اخطر نتائج انحدار سمعة العمل العام يمكن رصده في تراجع حركات الاحسان للاخرين والحملات المنظمة لانقاذ المحتاجين والاستعداد للتضحية بالانانيات من اجل الغير وقهر قوى العنف والجريمة، فيما يسري شعار «كلمن يكول يا روحي» كمنشور سري للعدو لسلب وتسميم روح المبادرة الجمعية وتحطيم مقاومة الشعب للاخطار.
************
علي بن ابي طالب:
«من أفضل البر: الجود في العسر»
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة