دواعش 1963 ومذكراتهم ولماذا يجب محاكمتهم

الجزء الثالث
د. علاء الدين الظاهر

الفعل عندما تربك الثورة وهي تواجه ألف مشكلة وتطالبها بدخول الوحدة الفورية مع مصر وسوريا. الفعل عندما يبدأ ضباط صغار من الموصل بالتآمر على الثورة (آب 1958). الفعل عندما يبدأ بعض الضباط القادة بالارتباط بهم. الفعل عندما يرتبط عبدالناصر بهذه المؤامرة وغيرها من المؤامرات. الفعل عندما يحاول عبدالسلام عارف قلب نظام الحكم (أيلول 1958). الفعل عندما يحاول احمد حسن البكر قلب نظام الحكم (تشرين أول 1958). الفعل عندما يحاول عبدالسلام عارف اغتيال عبدالكريم قاسم (تشرين أول 1958). الفعل عندما يحاول صالح مهدي عماش اغتيال عبدالكريم قاسم (تشرين ثاني 1958). الفعل عندما يحاول رشيد عالي الكيلاني قلب نظام الحكم (كانون أول 1958). الفعل عندما يحاول عبدالوهاب الشواف قلب نظام الحكم (آذار 1959). الفعل عندما يضغط الشيوعيون لدخول الحكومة رغم إن الأوضاع لا تسمح بذلك (أيار 1959). الفعل عندما يحاول الشيوعيون قلب نظام الحكم (حزيران 1959). الفعل عندما يرتكب الشيوعيون جرائم كركوك (تموز 1959). الفعل عندما تقوم بمحاولة دموية لاغتيال الزعيم (تشرين أول 1959). الفعل عندما يحاول زعيم حزب كردي فرض زعامته على كل الأكراد وعندما يربط حركته بالشاه بهلوي وبالمخابرات المركزية الاميركية ويفتح الباب على مصراعيه للدعم الإسرائيلي. هذا هو الفعل!
لنناقش ونحاسب « الفعل » قبل أن نناقش « ردود الفعل » وهي ردود فعل ما من شخص منصف إلا ويعترف بأنها من أخف ردود الأفعال وطأةً. فأي حاكم تقعده رصاصات الاغتيال طريح الفراش لشهرين ولا يعتقل ويحل الحزب القائم بها وهو حزب خصم؟ ويحاسب فقط المشاركين فيها ويعفو عنهم بعد عام ونصف!! وأي زعيم يترك حزبا ارتكب مجازرا كمجازر كركوك ويحاسب القائمين بها فقط؟ وكلا الحزبين يتبجحان بأن قاسم ضربهما لأنهما كانا مصدر تهديد لحكمه!! وكلا الحزبان يعطياه العذر الوجيه لتدميرهما وهو لا يفعل ذلك! فأيهما اصدق ادعاءات الشيوعيين والبعثيين أم لا فعل قاسم؟ …..
………. ولو عفا عبدالكريم قاسم عن ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري فهل كانا سيتوقفان عن التآمر ضده؟ لنجيب عن هذا السؤال بسؤال آخر ونسأل: هل توقف عن التآمر ضد قاسم ممن عفا عنه قاسم مثل عبدالسلام عارف واحمد حسن بكر التكريتي وعبدالكريم فرحان وعارف عبدالرزاق وصالح مهدي عماش ورشيد مصلح التكريتي وحردان التكريتي وعبدالغني الراوي وطاهر يحي التكريتي واسماء اخرى؟ هذا الطيار او الضابط الذي يعفو عنه عبدالكريم قاسم بعد اشتراكه في مؤامرة ضده يخرج من السجن ليحيك مؤامرة جديدة، ما هي نفسيته؟ وهذا البعثي الذي يحاول قتل قاسم ويصيبه بالجراح ويعود بعد عام ونصف الى أهله معفيا عنه ويشترك في محاولة اغتيال جديدة، ما هي نفسيته؟ وهذا الحزب البعثي يعبر عن « شكره » للعفو الذي اصدره قاسم بمناسبة عيد سلامته عن « أبطال » عملية الاغتيال بإخراج مظاهرة تهتف ضد عبدالكريم قاسم « إحنا إلـ كسرنا إيده وإحنا احتفلنا بعيده » تشمتا بيد قاسم التي كسرت اثناء عملية الاغتيال واصابها الشلل الجزئي. وذات الحزب البعثي يعبر عن شكره مرة اخرى بإطلاق رصاص الاغتيال على عبدالكريم قاسم في 9 شباط 1963. أربعون عاما مضت ونحن نناقش بعض الشتائم التي قذفها المهداوي ضد بعض المتهمين – شتائم رأيناها تذاع حيا على شاشة التلفزيون ونشرت في مجلدات محاضر المحكمة في عهد قاسم نفسه. لكننا لا نسأل اي قيم أخلاقية ومبادئ آمن بها هؤلاء القتلة؟ ولماذا هذا الإصرار على التآمر؟) انتهى الاقتباس.
لم يكن ما حصل في دار الاذاعة في 9 شباط 1963 محاكمة او اعدام بل جريمة قتل مع سبق الاصرار والادلة صارخة في هذا المجال لا تقبل الجدل. لم تكن هناك محاكمة ولم تكن هناك محكمة او ادعاء عام او محامي دفاع ولم يكن هناك تهمة اصلا بل كان هناك جدلا حادا لبضعة دقائق بين عبدالكريم قاسم والدواعش الانقلابية. انزوى بعدها الدواعش الى غرفة مجاورة صرخ فيهم عبدالستار عبداللطيف بإنه « اذا لم تقتلوه ستقوم القيامة علينا » خوفا من استمرار المقاومة الشعبية للانقلاب. انتبهوا الى « اذا لم تقتلوه ». عندها خرج عبدالغني الراوي ليبلغ عبدالكريم قاسم وبقية الضباط الذين جاؤوا معه بقرار المجلس الوطني لقيادة الثورة بإعدامهم. عندي التسجيل الصوتي الكامل لجريمة القتل ونسخته الاصلية كانت عند عبدالستار عبداللطيف. التسجيل يوضح بدون ادنى شك ان الفترة بين وصول عبدالكريم قاسم الى دار الاذاعة لحين اغتياله لم تتجاوز العشر دقائق.
لم يكتف دواعش 1963 بتلك الجريمة فقط بل اظهروا جثته وجثث من رافقه الى دار الاذاعة للتأكيد للشعب العراقي بأن زعيمهم المحبوب قد مات ولا داعي للمقاومة. ثم مثّلوا بجثته، جثة الرجل الذي عفا عنهم اكثر من مرة واعادهم الى مراكزهم التي استخدموها للانقلاب عليه. مثّلَ دواعش 1963 بجثث قتلاهم كما مثّل دواعش 2014 بجثث ضحاياهم، مثّل دواعش 1963 بجثة من طبّق بحقهم مقولته « الرحمة فوق القانون ». وبهذا أظهر دواعش 1963 قعر سفالتهم وانطبق عليهم بيت المتنبي:
إن انت اكرمت الكريم ملكته
وإن انت اكرمت اللئيم تمردا
كان عبدالكريم قاسم نقيض كل اعدائه خُلقا وسلوكا. كان قلبه مملوءا بالحب والتسامح والعفو عند المقدرة ووضع المصلحة الوطنية فوق كل شئ. اما اعدائه وقتلته فملأ قلوبهم الحقد والكراهية والدموية والانتقام.

الوحدة العربية
كان دخول الوحدة الفورية مع مصر وسوريا في ما كان يعرف بالجمهورية العربية المتحدة الشرخ الذي شق ضباط ثورة 14 تموز والغالبية السياسية من جهة والاقلية البعثية والقومية. اصبحت الوحدة العربية قميص عثمان الجديد والذي كان غطاءً للصراع على السلطة لا غير. لم يدخل دواعش 1963 في وحدة فورية ولا في وحدة مؤجلة ولا في اتحاد فدرالي بل ان من يقرأ محاضر جلسات اجتماعات الوحدة لعام 1963 بين مصر وسوريا والعراق يصل الى استنتاج واحد وهو ان عبدالناصر كان يناور ليعطي مناصريه في سوريا الموقع الاقوى بينما كان البعثيون يناورون للاحتفاظ بالموقع الاقوى في السلطة في عملية نصب وإحتيال على الاخر لا اكثر ولا اقل. لذلك يصبح ادعاء حازم جواد بأنه لو لم يدعم موقف علي صالح السعدي المؤيد لبعثيي سوريا لتحققت تلك الوحدة، يصبح هذا الادعاء مدعاة للسخرية ولو كان عبدالسلام عارف حيا لقال « وحدة تعتمد على حازم جواد اقرا عليها السلامة ». الوحدة بين الدول لا تعتمد على شخص وإنما على مصالح فضلا عن ان عبدالسلام عارف الذي نادى كذبا بالوحدة الفورية عام 1958 كان معارضا لأي ترتيب وحدوي يبعده عن رئاسة الجمهورية ناهيك عن موقف الاكراد وبقية المعارضين للوحدة ضمن دواعش 1963 مثل رشيد مصلح ومحمود شيت خطاب.
من الطريف ان يدعي اخيرا في احد البرامج المتلفزة احد البعثيين ويؤيده احد الشيوعيين بأنه لولا تولي صدام للسلطة لتحققت الوحدة بين سوريا والعراق مشيرا بذلك الى اتفاقية الاتحاد الفدرالي بين احمد حسن البكر وحافظ الاسد التي وصل اليها بعد احد عشر عاما جناحان لحزب واحد يتسلطان على بلدين متجاورين. حافظ الاسد اصبح مجبورا على دخول ذلك الاتحاد بعد ان ضعف موقفه التفاوضي مع اسرائيل بسبب توقيع مصر لإتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل وخروجها من الصراع العربي الاسرائيلي. اتفاقية الاتحاد الفدرالي بين احمد حسن البكر وحافظ الاسد كانت ستنهار سواء بقي البكر في السلطة ام لم يبقَ، لأن دوافعها لم تكن سليمة واسسها خاطئة وقعها نظامان مستبدان يحكمان شعبيهما بالحديد والنار. وكانت ستنهار لأنها مثل وحدة 1958 التي اقامها الضباط السوريون مع عبدالناصر بسبب التهديد التركي لسوريا، قامت لأسباب امنية. انهارت الوحدة التي اقامها عبدالناصر مع ليبيا معمر القذافي وسودان جعفر النميري. وانهار الاتحاد الفيدرالي بين انور السادات وسوريا حافظ الاسد وليبيا معمر القذافي. انهارت وحدة المغرب مع ليبيا كما انهارت وحدة ليبيا مع تونس وحتى وحدة اليمن ليست صلدة فتعرضت للحرب الانفصالية عام 1994 وها هي تخوضها من جديد تحت اليافطة المذهبية. كل هذه الاتفاقيات الاتحادية انهارت من دون تأثير لحازم جواد او صدام التكريتي. حقيقة بسيطة تغيب عن اذهان هؤلاء الوحدويون بل يصرّون على تجاهلها وإنكارها وهي ان مجتمعات دولنا مفككة ولا يتطلب الامر لإدراك ذلك اكثر من النظر الى الاوضاع في سوريا، ليبيا، اليمن، لبنان، مصر والعراق. هذه الحقيقة البسيطة ادركها عبدالكريم قاسم عندما وضع بناء الدولة العراقية والوحدة الوطنية قبل الوحدة العربية وعرض كحل وسط الاتحاد الفيدرالي بدلا من الوحدة الاندماجية عندما قال «نحن جزءٌ من كل ولسنا جزءاً من جزء». كان موقف عبدالكريم قاسم وما يزال هو الاسلم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة