المواجهة الروسية الاميركية في سوريا تبدو، من زاوية معينة، مقدمة لحرب ليس ككل الحروب، او هي تشابك ايدي ينتهي الى تحسين شروط اللعبة، لكن الشيء الجديد ظهر في ما تسرب من «شروط اميركية نائمة» لتهدئة الموقف وهي اجلاء مقاتلي حزب الله اللبناني من سوريا، وبدوره اعاد هذا الشرط النائم اسئلة نائمة ابرزها: لماذا يحق لاحزاب ودول الله المنشرة في العالم ان تتدخل في الحرب السورية، لصالح حلفائها، ولا يحق لحزب الله اللبناني هذا التدخل لصالح الحكومة؟.
الاحتجاج على دخول حزب الله اللبناني في سوريا للقتال الى جانب حكومة سوريا، لا يعني شيئا، بعد ان تحولت هذه البلاد من لاعب الى ملعب، ولا نقول معلومة جديدة حين نشير الى ان الفريق الاسلامي الجهادي (الاول) الذي اسمى نفسه «جبهة النصرة» وارتبط بالقاعدة قبل ان ينشق عنه «داعش» قد فتح الحدود لغزاة بدشاديش قصيرة ولحى ورطانات دينية واستقوى بهم ليفرض على «الحركة» المعارضة مسارا دمويا ومذابح واستعراضات قوة.
الى ذلك، فالعالم كله، يقاتل على الارض السورية، ربما من غير استثناء، جبهات وفرادى، بالسلاح والرجال والاموال والاعلام والمخابرات، بالنيات الطيبة والنيات السوداء والنيات التي لا طعم لها، بالاعتراض والنقض والامتناع عن التصويت، بالمزاحمة مع الاخرين او بتعضيد الاخرين، باساليب بالغة النظافة واساليب شديدة القذارة، من له مصالح في سوريا ومن لا مصالح له فيها. اما جيران سوريا، فالجميع من غير استثناء يحارب بشراسة هناك، وبعضهم بالاسنان.
اقول، إذا كانت الارض السورية قد اصبحت ساحة تصفيات حساب بين الدول والقوى الاقليمية والدولية، وجميعها تتدخل باشكال مختلفة، وينـَظِّر لها كل من ابو بكر البغدادي، الخليفة السفاح، وايمن الظواهري مهندس المذابح الطائفية في العراق، فلماذا يُطلب من حزب الله ان يكون استثناء، فيجلس في الضاحية والجنوب بانتظار ما تسفر عنه الحرب، وليكون كبش فداء عن هزيمة متوقعة للجميع، والمنتصر هو المجهول.
هذه ليست محاولة لتبرير تدخل حزب الله في الحرب السورية، فان ما يحصل في هذه البلاد من مهووسات التدمير والقتل المنهجي يُسقط البحث عن مبرر للتدخل، ويجعل حالة التدخل لمنع «العدو» من امتلاك الجغرافيا السورية امرا يمكن اعتباره من التفاصيل، وكان المحللون الموضوعيون على حق حين تساءلوا عن الفرق بين استيراد مقاتلين من اوربا وليبيا والخليج ليشدوا من عضد المجاهدة الاسلامية، ودخول حزب الله اللبناني الساحة نفسها لدعم الحكومة.
خلف هذا التساؤل تكمن اسباب المواجهة الروسية الاميركية، كما تكمن الكارثة الحقيقية حيث يصبح التدخل الخارجي في سوريا حقا.. أو استحقاقا.
لكن الاهم، هو الحال الذي سينتهي عنده الصراع الداخلي في سوريا، ومستقبل النظام السياسي، بين ان يبقى النظام نفسه مع اجراءات اصلاحية معينة، وبين نقل السلطة تدريجيا الى حكم مدني وخروج الرئيس بشار الاسد من المعادلة في مرحلة لاحقة، وبين حرب اهلية كارثية، طويلة الامد، تقرر في نهاية المطاف اي نوع من الدولة ستبقى على الارض السورية.. وما هي حصة العراق من شظايا اللهب السورية المتناثرة.
سوريا إلى أين؟.. هل هي حرب مثل كل الحروب؟
التعليقات مغلقة