الصدام الأميركي – التركي في سوريا

(2ـ3)
كولن كول

جاء قرار أردوغان نتيجة لرغبته في محاربة تنظيم داعش وإسقاط نظام الأسد في آن واحد، في الواقع -خلال السنوات القليلة الأولى من الحرب- فإن التزام أنقرة بتغيير النظام السوري قد دفع تركيا إلى فرض قيود أقل على المقاتلين المناهضين للأسد في عبور الحدود التركية إلى سوريا؛ وحتى مع انتشار التنظيم الإرهابي في شرق سوريا وتوسع تأثير تنظيم القاعدة السوري في شمال سوريا، ما يزال الأسد محور سياسة أردوغان.
اعتقد أردوغان أن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي على تركيا يمكن أن يتم تداركه من طريق اتباع نهج “عش ودع غيرك يعيش”، أي إذا قامت تركيا بالتغاضي عن وجود التنظيم في سوريا، فإن داعش لن يشن هجمات على تركيا، ولذلك رأى أردوغان أن التعاون ضد التنظيم هو أمر يصب لصالح واشنطن ولا يعد أمراً إيجابياً للأمن الوطني التركي.
إن عملية فرض حظر جوي في سوريا تتطلب من الولايات المتحدة إسقاط الطائرات السورية في غياب وجود نهاية عسكرية واضحة أو تفويض دولي (أو محلي)، ولم يكن أوباما راغباً في الدخول في صراع مباشر مع نظام الأسد، فضلاً عن تصريح البنتاغون في أن فرض حظر جوي سيتطلب توفير مبالغ مالية كبيرة وأجهزة استخباراتية لمراقبة تحركات التنظيم.

انعطاف في الأحداث:
لجأ البنتاغون إلى دعم القوى الوحيدة -وحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية والسورية- القادرة على مواجهة تنظيم داعش في شمال سوريا وشرقها في ظل غياب وجود اتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا، إذ شنت هذه الوحدات وحلفاؤها العرب هجوماً على التنظيم في كوباني في ربيع عام 2015، وبحلول منتصف شهر حزيران من العام نفسه استولت على تل أبيض -وهو أحد المعابر الرئيسية للتنظيم في شمال سوريا (انظر الخرائط الآتية)- كان الاستيلاء على معبر تل أبيض أمراً استراتيجياً، إذ كان التنظيم يستخدمه لتهريب القادة، والمؤونة والمواد المتفجرة بنحو مباشر إلى مدينة الرقة أو في أغلب الأحيان إلى العراق.
إن اعتقاد أردوغان في إمكانية تجنب تركيا لهجمات تنظيم داعش ثبت بأنه لا أساس له من الصحة؛ إذ أسفر تفجير تبناه التنظيم في 20 تموز عام 2015 عن مقتل 33 شخصاً وجرح أكثر من 100 آخرين في مدينة سوروك الجنوبية في تركيا، وكان العديد من الضحايا من الأكراد الأتراك، وبعد عدة أيام قام مسلحون من حزب العمال الكردستاني بقتل اثنين من رجال الشرطة التركية مدعين أن هذا الهجوم هو انتقام من تركيا التي تتآمر مع داعش.
وافقت تركيا في 22 تموز 2015 -بعد مكالمة هاتفية بين أوباما وأردوغان- على فتح قاعدة إنجرليك وغيرها من القواعد الجوية التركية للتحالف الاميركي؛ وبدأت الهجمات الجوية بعد بضعة أسابيع، وجاء قرار أردوغان نتيجة التهديد المتزايد الذي يشكله تنظيم داعش. وكذلك وافقت كلٌّ من واشنطن وأنقرة على العمل معاً في تدريب أفراد من قوات المعارضة السورية من أجل القضاء على داعش في المنطقة الحدودية التي لا يسيطر عليها الأكراد -وهي منطقة تقع بين معبر عزاز (في شمال غرب سوريا) وجرابلس (على ضفة نهر الفرات) المعروف باسم جيب منبج. هَدَفَ برنامج البنتاغون إلى تدريب وتجهيز 5000 شخص من مقاتلي المعارضة سنوياً إلا أن تباطؤ تركيا في تحديد الأشخاص الذين يتم تدريبهم أدى إلى توقف البرنامج وتوجهَ بدلاً من ذلك إلى التركيز على الجماعات التي تحارب داعش على أرض الواقع؛ ونتيجة لذلك لم تحرز تلك الجماعات سوى تقدم ضئيل على الرغم من تكريس ما يقرب من نصف قوات التحالف الدولية من أجل زيادة الضربات الجوية على التنظيم في جيب منبج.
استمر تعمق علاقات الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ففي تشرين الأول عام 2015 نشرت إدارة أوباما فرقة مكونة من 50 قوة تابعة للعمليات الخاصة الاميركية لتحسين التدريب والتخطيط والدعم للقوات الكردية والعربية السورية الواقعة شرق نهر الفرات، الذين أطلق عليها اسم قوات سوريا الديمقراطية.
خلال جولة رئاسية أخرى إلى إسطنبول في كانون الثاني عام 2016، قضى بايدن وغيره من كبار المسؤولين الاميركيين ساعات طويلة في الاطلاع على خرائط العراق وسوريا مع أردوغان ومساعديه. كان من أولويات بايدن في جدول أعماله أن يبين لأردوغان الحاجة الملحة للقضاء على داعش في منبج؛ إذ كانت المدينة نقطة عبور رئيسة للمقاتلين الأجانب، وخط الإمداد الرئيس لمدينة الرقة، ومركزاً لمقاتلي التنظيم المتورطين في التآمر الخارجي؛ فكان اقتراح الولايات المتحدة هو استعمال القوات الديمقراطية السورية لعبور نهر الفرات والدخول إلى المدينة من الجهة الغربية؛ إلّا أن أنقرة اعترضت على ذلك الاقتراح ظناً منها أن أي تحرك للقوات الديمقراطية السورية في جيب منبج يعد خطوة نحو توحيد الجماعات الكردية؛ لذا اقترح أردوغان اللجوء إلى مقاتلي المعارضة المستعدين للتحرك شرقاً من منطقة ممر أعزاز باتجاه جرابلس ثم التوجه إلى مدينة منبج جنوباً.
وافقت إدارة أوباما على إيقاف استخدام القوات الديمقراطية السورية للعمل مع تركيا، ومع ذلك لم يتحرك سوى بضع مئات من المقاتلين المدعومين من تركيا؛ وفي شهر نيسان عام 2016 قامت قوة صغيرة تدعمها تركيا تتألف من التركمان والجيش السوري الحر والفصائل المتطرفة -بدعم من قوات التحالف الجوية- بشن هجوم للاستيلاء على منطقة الراي التي تبعد 22 ميلاً شرق أعزاز، ولكن بعد النجاح الأولي، قام داعش بإعادة تنظيم قواته وتسليحها وهزمت الجماعات التي تدعمها تركيا؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى العودة إلى القوات الديمقراطية السورية، ففي نهاية شهر آيار عام 2016 عبرت القوات نهر الفرات باتجاه مدينة منبج، وبعد عدة أشهر من المعارك الدموية وسقوط آلاف القتلى من الجانبين، سيطرت القوات الديمقراطية السورية على المنطقة في 12 من شهر آب عام 2016، وبعد أسبوعين من تحرير منطقة منبج من تنظيم داعش، اكتشفت تركيا قوة معارضة أكبر وقررت التدخل في سوريا.

عملية درع الفرات:
قدمت إدارة أوباما وعوداً بعودة جميع قوات وحدات حماية الشعب إلى الشرق عبر نهر الفرات بعد تحرير مدينة منبج واستقرارها؛ مما زاد من مخاوف تركيا بأن يستولي الأكراد السوريون على بقية المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا نظراً لتصورهم بأن المجلس العسكري في منبج ذي الأغلبية العربية الذي يحكم المدينة هم وكلاء لوحدات حماية الشعب؛ ومما زاد من تلك المخاوف إنشاء مواقع دفاعية من قبل قوات سوريا الديمقراطية شمال مدينة منبج بالقرب من جرابلس.
قامت قوات المعارضة المدعومة من تركيا -التي تساندها قوات العمليات الخاصة التركية- ببدء عملية درع الفرات وذلك بعبور جرابلس لدحر تنظيم داعش، والأهم من ذلك السيطرة على الأكراد. ومع تحرك تلك القوات باتجاه الجنوب كان يتعين على القوات الاميركية التدخل السريع لتجنب اشتباك كبير مع عناصر قوات سوريا الديمقراطية المتمركزين بالقرب من مدينة منبج، ولم ترسل تركيا أي تحذير للولايات المتحدة بشأن بدء العملية، إلّا أن إدارة أوباما سرعان ما عرضت خدمة قوات العمليات الخاصة الاميركية، والمعلومات الاستخباراتية، والدعم الجوي لعملية درع الفرات، وشجعت المسلحين المدعومين من تركيا على التحرك غرباً ومن ثم التوجه إلى الجنوب الغربي لدحر مقاتلي التنظيم من المدن الحدودية الأخرى. وبعد ستة أشهر من القتال قامت عملية درع الفرات بالاستيلاء على مدينة الباب الواقعة جنوبي منطقة جيب منبج؛ مما أدى إلى إنشاء منطقة عازلة مساحتها 772 ميلاً مربعاً يسيطر عليها الأتراك.
شكلت عملية درع الفرات نوعاً من السعي المشترك نحو القضاء على تنظيم داعش في خريف عام 2014، ومع ذلك، استغرق من أردوغان عامين للتوصُّل إلى مبرر للتدخل التركي المباشر في سوريا للقضاء على التنظيم، إلّا أن السبب وراء تدخل أردوغان كان الأكراد، كان تردد أردوغان في التخلص من تنظيم داعش في وقت سابق أنتج وبنحوٍ مثير للسخرية علاقة وثيقة بين الولايات المتحدة الاميركية ووحدات حماية الشعب؛ مما أدى في نهاية المطاف إلى خضوع تركيا للأوضاع الراهنة والتدخل للتخلص من داعش.
بغض النظر عن الجهة التي تتحمل مسؤولية المأزق الحالي، فإن السؤال الرئيس هو: ماذا بإمكان إدارة ترامب تقديمه حيال ذلك؟ بالنظر إلى المصلحة الوطنية الحيوية التي تحظى بها الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم داعش، لن يكون من الحكمة التخلي عن القوات الديمقراطية السورية في هذه المرحلة، على الرغم من وجود مشكلات مع تركيا. خلال حدث أقيم في واشنطن في 26 من نيسان لهذا العام، قال اللواء المتقاعد تيري وولف -نائب المبعوث الاميركي لتحالف القضاء على تنظيم داعش-: إن قوات سوريا الديمقراطية تمثل “الجهة المجدية الوحيدة لتحرير الرقة”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة