هل نجح ترامب بإعادة الثقة بين ضفتي الأطلسي؟

برلين ـ جاسم محمد:

مازالت العلاقة بين ضفتي الاطلسي، تحتاج الى مزيد من الجهود لتعزيز الثقة، في اعقاب دخول ترامب الى البيت الابيض وتصريحاته، حول فاعلية الناتو وانه لايوجد هناك امن مجاني، وهل نجحت دول اوروبا بالوقوف فعلا على مواقف ترامب من الاتحاد الاوروبي وتماسكه ومبدأ الدفاع المشترك داخل الحلف؟
دشن زعماء دول الناتو يوم 25 مايو 2017 ، مقر الحلف الجديد، بحضور الرئيس الاميركي ترامب، ضمن جولته التي شملت المملكة العربية السعودية واسرائيل وايطاليا، وهو اول اجتماع قمة للحلف الاطلسي بحضور الرئيس الاميركي ترامب. وحث قادة الناتو على الالتزام بقرار عام 2011 بزيادة الإنفاق على الدفاع بـ 2 في المئة من أجمالي الناتج المحلى بحلول عام 2024. واتفقت الدول الأعضاء، على انضمام الحلف إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش وتم اتخاذ قرار بهذا الشأن من جانب مجلس حلف الأطلسي.
ودعا الرئيس الأميركي ترامب خلال القمة، «؛ مجددا مطالبة جميع الدول الأعضاء بالوفاء بالتزاماتها المالية. ورغم قول ترامب على أن الحلف يشكل أداة «للسلام والأمن» في العالم، فأنه لم يؤكد علنا تمسكه بالبند الخامس من معاهدة الأطلسي الذي ينص على وجوب أن يساعد الحلفاء أي دولة عضو في حال تعرضها لاعتداء خارجي. واكد خلالها التركيز على الإرهاب و»تهديدات روسيا في الجبهة الشرقية من اوروبا، وفي سياق التسلح، يقول «ستيفين كوهين»، الخبير الاميركي في شؤون روسيا، «إن الناتو يقترب من الحدود الروسية أكثر فأكثر وإن هذا يذكرنا بسلوك ألمانيا النازي، ولذلك ردة فعل روسيا غير مستغربة».

النتائج
مازالت الخلافات قائمة مابين واشنطن ودول الاتحاد الاوروبي، برغم ان هذه القمة التي لم تستطع ردأ الصدع في العلاقات مابين ضفتي الاطلسي. وربما تكمن المشكلة في الاختلاف في الطريقة التي تنظر لها واشنطن ودول اوروبا، ترامب يعتمد معيار الربح والخسارة في علاقته مع دول اوروبا، وتحديدا مدى قدرة هذه الدول لزيادة انفاقها العسكري ليصل الى 2% كحد ادنى، بينما دول اوروبا، تتحدث عن معيار الدفاع المشترك والحرية وحقوق الإنسان واحترام كرامة الإنسان، التي تعد روح الاتحاد الاوروبي، وهذا ماجاء على لسان رئيس المجلس الاوروبي «توسك».
وهذا يعني ان المشكلة والفجوة مابين واشنطن ودول الاتحاد الاوروبي سوف تبقى قائمة، واحتمالات تزايدها، بسبب عدم قدرة اكثر من نصف دول الاتحاد من الايفاء بهذا الالتزام. وهذا من شأنه ان يحصر الدعم الواجب ان تقدمه واشنطن الى حليفاتها في اوروبا بحجم الانفاق ومشاركة دول اوروبا بتعزيز ميزانية الحلف.
الرئيس الاميركي «ترامب»، لم يؤكد التزامه بالفقرة الخامسة من حلف الناتو، التي تلزم الاعضاء بالدفاع المشترك عند تعرضها الى اي تهديد او عدوان خارجي، و هذا مايجعل دول الاتحاد الاوروبي تشعر بعدم الثقة بالتزامات الناتو تجاهها، خاصة دول اوروبا الشرقية. موقف واشنطن، ممكن ان يدفع دول اوروبا الى ايجاد سياسات مهادنة مع روسيا، خاصة دول اوروبا الشرقية، هذه الدول تستضيف كتائب الناتو وقوات الردع السريع وانطمة مضادة للصواريخ، لكنها فقدت الثقة بواشنطن بعد تصريحات ترامب : «لايوجد امن مجاني».
وبرغم الدعم التي تتلقاه واشنطن، فما زالت هناك معارضة لها من داخل اوروبا، حول سياسة تصعيد التسلح في اوروبا الشرقية. ويقول الرئيس الألماني «فرانك فالتر شتاينماير» حول سياسة حلف (الناتو) حيال روسيا :»ما علينا أن نتجنبه اليوم هو مفاقمة الوضع مع نداءات تدعو إلى الحرب»، الحديث جاء قبل تسنمه منصب الرئاسة عندما كان يشغل منصب وزير الخارجية الالمانية.
ان الفراغ الذي تركته سياسة اوباما في اوروبا وفي منطقة الشرق الاوسط، عملت على اضعاف ثقة حليفاتها، بالتزامات واشنطن بالدفاع عنها، في اعقاب توجه اهتمامات واستراتيجية واشنطن نحو المحيط الهاديء، لمواجهة التحدي الصيني هناك.

مدى فاعلية الناتو في محاربة تنظيم داعش
أن مهمة الناتو تشهد تغيراً نسبيًا، بحيث لايقتصر نشاطها في مجال الدفاع، بل في مجال الاستخبارات والمعلومات التي تتعلق بدول الاعضاء ومنها تهديدات تنظيم داعش والجماعات المتطرفة. برغم ان مشاركة الحلف في التحالف الدولي ضد داعش، جاءت متأخرة جدا، فان هذه المشاركة ستكون مشاركة رمزية على وفق تقديرات المراقبين، فالتنظيم يشهد خسارة كبيرة الى معاقله، وخسارة في قدرات التنظيم العسكرية والميدانية، ولم يعد يحتاج الى قوة الناتو.
التقارير ذكرت بان التحالف الدولي ممكن ان يحصل على دعم الناتو من خلال الدعم اللوجستي غير القتالي خلال هذه المرحلة، بالاستعانة بطائرات استطلاع حلف الأطلسي من طراز «أواكس»، حيث تقرر ألا يتم الاقتصار على استعمالها مستقبلاً لمراقبة المجال الجوي فحسب، ولكن يتم إتاحة استخدامها أيضاً بصفتها مراكز قيادة محلقة من أجل تنسيق الحركة الجوية فوق سوريا والعراق.

الناتو: مصدر معلومات استخبارتية
اعلن الناتو تشكيل وحدة خاصة تعنى بجمع المعلومات الاستخبارية حول الجماعات المتطرفة والمقاتلين الاجانب، وهذا يعكس هاجس الغرب حول عودة المقاتلين الاجانب اكثر من محاربة التنظيم او الارهاب في المنطقة. التقديرات تشير ان هذه الوحدة داخل الناتو ربما لاترتقي الى ماتملكه دول الاتحاد الاوروبي من معلومات حول تنظيم داعش والمقاتلين الاجانب.
لقد تمكنت دول اوروبا وخاصة دول الاتحاد الاوروبي من ايجاد آلية تعاون وتبادل وتعزيز المعلومات االاستخباراتية، من خلال وكالة «يوروبول» و» فرونتيكس» المعنية بحماية الحدود وتقديم المعلومات الاستخبارية عن أي تهديدات محتملة وكذلك من خلال المنصات الافتراضية لتبادل المعلومات، ماعدا ذلك تملك دول اوروبا نظام معلومات «الشنغن» التي تعتبر جيل جديد لتقديم المعلومات الى الدول الاعضاء، وهذا يعني ان وحدة الناتو الجديدة، لم تكن بالمسوى التي يمكنها من منع التهديدات لدول اوروبا ، كونها سوف لاترتقي الى مستوى ماتملكه الدول الاعضاء من معلومات وخبرات امنية.

التوصيات
بات مطلوبا من واشنطن، ان توضح استراتيجيتها، خاصة في الدفاع، امام تهديدات روسيا في الجبهة الشرقية من اوروبا، وامام تهديدات ايران في منطقة الشرق الاوسط، في مجال التدخل في المنطقة وكذلك تطوير الصواريخ البالستية.
هذه المتغيرات، تفيد بان العلاقة مابين الامن والدفاع، تشهد تحولات كبيرة، فرغم التداخل مابين الامن والدفاع، وحصر المسؤوليات كل على حدة، فأن هذا يعني ان مفهوم الامن القومي الان بدا يتغير، رغم ان ركائز الامن القومي الان لم تعد محصورة في المفهوم العسكري بقدر مايمتد الى ركيزة الاقتصاد والتنمية وغيرها.
وهذا يعني ان مانحتاجه الان الدول هو اعادة صياغة تعريف الارهاب وكذلك اعادة صياغة مفهوم الامن القومي، في اعقاب المستجدات التي طرأت في نوع التهديدات ومصادرها، والتي لم تعد تهديدات تقليدية في زمن العولمة . من المتوقع، ان يفقد الناتو قدرته بالدفاع عن اعضائه، لذلك ينبغي على دول اوروبا ودول منطقة الشرق الاوسط ، أنشاء احلاف عسكرية اقليمية، لسد فراغ الناتو والاعتماد على النفس.

*باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة