التسريبات عن التحالفات والنيات المبيتة بعد تحرير الموصل كثيرة، وبرز في ساحتها محترفون يدسّون هذه البضاعة المغشوشة في بعض اقنية الاعلام ومحافل السياسة، والنتيجة يمكن ان نرصدها في ابتذال الممارسة السياسة، لنقول (من دون تردد) ان السياسة ابتُذلت وتمرمطت وانتـُهكت سمعتها على يد البعض ممن ركبها في غفلة من الزمن، وفي دورة الاقدار ومصادفاتها.
هذا اذا اعدنا الى الذاكرة حقيقة ان السياسة علم من علوم الاجتماع يعنى بتوزيع وإدارة القوة والنفوذ في مجتمع ما، او في نظام من الانظمة، له استقلالية وتعريفات ومحددات وتطبيقات، شأن العلوم الاخرى.
وعندما نتابع كيف يتسابق سياسيو الازمة في تسييس قضايا لا تمت للسياسة بصلة مثل قضية تبليط شارع في حي مهمل، ونعبر عن احتجاجنا على ذلك العبث، فاننا نقوم برصد مشهد من مشاهد الفظاظة الصوتية للاختلاف بين السياسيين، ومحاولات نقل الصراع من مسار المشكلات ذات العلاقة بمخاضات بناء واعادة بناءالدولة الى مسار التزاحم على كسب ود الناس الى جانب مشروعهم السياسي، او على تأليبهم على مشروع خصومهم، باساليب بالية وقصيرة النظر، بين مَن يعد مبادرة التبليط مِنّة على سكان الحي، ومَن يراها «حركة» دعائية محسوبة على الدعاية الانتخابية. اما ملف النازحين وجوهره الانساني فقد بلغ التعامل معه مبلغ سوق الخردة من ضجيج واكاذيب ودعاية وإدعاءات.
لكن المشكلة، تعدّت حدود القضايا غير السياسية التي تسيّس عن قصد وتُحشر في عداد الخلافات والمماحكات والدعاية، الى قضايا سياسية كبرى لا يصلح ان «تـُسيّس» الى الحد الذي يضيع معه الفاصل بين قضية التهديد الخارجي للبلاد وبين تبليط شارع في حي من الاحياء، او بين قضية الارهاب وبين محاسبة موظف مرتش في البلدية.. حتى بلغ الامر بعقد صفقات على النحو التالي: مرّر لي العقد (س) أمرّر لك تبرئة الموظف (س) من العقاب الاكيد.
قد يقال بأن السياسة صالحة للتسييس، او انها عملية تسييس في التطبيق العملي، وهي تبرر استعمال شتى الاوراق (المتاحة والمرخص لها بالعُرف والقانون) للوصول إلى تحقيق الأهداف، غير ان ساحة الصراع السياسي في العراق تحولت الى مزاد وضجيج وألسنة نار ودخان، وبات الامر بالنسبة للملايين العراقية كما لو ان السياسة ضحك على الذقون، او كما لو انها عادت الى حقلها الاول قي كتب التاريخ: السياسة هي سوس الدواب. والبشر من الدواب كما يقول الجاحظ.
*********
سفيان الثوري:
«ما أحسن تذلل الأغنياء عند الفقراء، وما أقبح تذلل الفقراء عند الأغنياء».
عبدالمنعم الأعسم
تسييس ما لا يُسيَس
التعليقات مغلقة