أهم الاكتشافات في تأريخ الحضارة الآشورية

الحلقة الثالثة عشرة
تواصل ثقافية الصباح الجديد نشر حلقات من كتاب: سرقة حضارة الطين والحجر للكاتب حميد الشمـري
تناولنا في الحلقة السابقة، اكتشاف الثور المجنح( لاماسو). وكيف أن القصر مبني على حافة حجرية قائمة على كتف نهر دجلة الذي يحادد أسوار المدينة وباستمرار الحفر قريبا من الثيران المجنحة عثر على جدران القصر الداخلية وكانت جميعها مغطاة بالألواح الجدارية من الرخام (الالباستر) ومنحوتة نحتا بارزا ملونا ومنقوشة بالكتابات المسمارية.

‏كان العامل شيشمان يحفر لوحده متتبعا الجدران الحجرية عشوائيا وفي أحد الايام عثر في واحدة من غرف القصر على مجموعة كبيرة من رقم الطين مكومة على بعضها بارتفاع ( 30 ‏سم) أتلف العامل شيشمان ومن بعده الحفار روس قسما كبيرا منها بسبب عدم إدراكهما لأهميتها و عدم وجود الخبرة في التعامل معها وكيفية انتزاعها من ضغط التربة المستمر عليها في دفينتها لألفين وستمائة سنة إضافة إلى رمي الكثير من كسررها في المتارب. وتمثل هذه الرقم القسم الأول من مكتبة (أشور باني أبلي) أهم الاكتشافات في تاريخ الحضارة الآشورية ومن أغني آثار العالم كونها أوسع مكتبة منظمة تظم كل ما توصل اليه العالم القديم من المعارف والعلوم والآداب وأصبحت من المفاتيح المهمة لمعرفة اسرار وكنوز الحضارات الرافدينية السومرية والأكدية والبابلية و الآشورية وحيث لا يوجد دليل أبرز منها على رقي ثقافة الآشوريين وقد عكرت رقم هذه المكتبة الجوانب الحقيقية لحياة مزدهرة ومنجزات المجتمعات الرافدينية المتحضرة , وقد أتلف هؤلاء الحفارون الجهلة جدران قاعة المكتبة بحيث لا نعرف الآن كيفية ترتيب الرقم ورفوفها أو توزيعها المنهجي وترك هذا الأمر للاجتهادات العلمية ونعتقد أنه لا يمكن أن تكون مكتبة المعبد الرائعة في (سبار) التي اكتشفها (د وليد الجادر) سنة ‏(1982) وقياسها
‏( 420×270سم) أجمل أو أحسن تنظيما وتنسيقا من مكتبة القصر الملكي الآشوري ( وهنا اتمنى على الهيأة العامة للآثار والتراث ان تبادر الى نقل مكتبة سبار الى القاعة البابلية (الكلدانية) في المتحف فهي اثر فريد لا نظير له وسوف تغني القاعة الكلدانية الفقيرة في معروضاتها حاليا ) , وقد سارع روس بإخبار رولنسون باكتشاف مكتبة الرقم الطينية حيث يعرف عنه اهتمامه بالكتابات المسمارية فسارع هذا بالسفر إلى نينوى للإشراف على الحفريات التي استمرت موسما كاملا إلى أن بدأ عطاء القصر يقل من المكتشفات الأثرية المهمة ما عدا رقم الطين ألتي كانت تظهر بكثرة كل يوم وكانت الكمية قد زادت وأصبحت تكفي لملأ ( 8 ‏)صناديق كبيرة. ومع التزام رولنسون بواجبات مهامه الدبلوماسية في بغداد الا انه كان يقوم بزيارات خاطفة لموقعي قوينجق والنمرود ويعطي التوجيهات باستمرار الحفريات خوفا من سطو الفرنسيين على أحد الموقعين , وكانت علاقة الفرنسيين مع البريطانيين علاقة أصدقاء في الظاهر بسبب الاعتبارات الدبلوماسية وفي الواقع هم أعداء يتناحرون للفوز بالغنيمة الآثارية الأكبر والاستحواذ عليها.

المنحوتات الجدارية ذوات الوجهين
‏كان لايارد قبل سفره قد أبقى على الحفار كرستيان رسام ليتابع الحفر في النمرود وقد باشر هذا حالا باقتلاع مجموعة من الألواح من قصر (آشور أخي أدينا) الذي كشف عنه في كانون الأول (1846) وكانت الألواح هذه المرة مزدوجة الوجه (منحوتة من الجهتين) وهي منقولة أصلا من قصر الملك آشور ناصر أبلي وأعيد استخدامها في القصر الجديد لجاهزيتها حيث تم الاستغناء عن الوجه المنحوت سابقة وتم نحت وجهها الآخر بمواضيع جديدة , بعد ذلك قام كرستيان رسام بضم المنحوتات ذ وات الوجهين إلى مجموعة لايارد وهرمزد رسام الخاصة والتي قام هرمزد قام ببيع قسم منها مع منحوتة أخرى شراكة مع لايارد الى:-
• متحف زيورخ (3) منحوتات.
• متحف دريسدن منحوتة واحدة.
• ومجموعة أخرى ( 3 ‏) منحوتة أخذها الآثاري الدكتور (جوليوس ويبر) وقام بدوره ببيعها إلى متحف زيورخ.
‏إضافة إلى مجاميع أخرى استولى عليها التجار والسراق لأن منطقة الحفريات تركت مكشوفة فأخذت المنحوتات طريقها إلى أوربا وأمريكا وقاما (لايارد ورسام ) لاحقا بتقطيع الكثير من هذه الألواح بالذات وبيعها مجزئة لإرضاء أكبر عدد من الزبائن وقد ارتكبا في هذه الحالة جريمة مركبة فإضافة إلى الإتجار غير المشروع فإنهما قاما بتدمير الألواح حيث أصبحت فاقدة لهويتها الحقيقية ودلالتها وقيمتها التاريخية والجمالية
‏المتحف البريطاني يدين لايارد ورسام
‏استغل المتحف البريطاني فرصة وجود لايارد ورسام في لندن ليخضعهما لجلسات من الحوار والمسائلة حيث تبين أن طريقتهما بالحفر كانت عشوائية وخاطئة فلم يكونا يهتمان بالمخططات والتفاصيل أو إعادة دفن المواقع المفتوحة ويقومان بتحطيم الجدران وقلع الأحجار ألكبيرة التي تعترض طريقهما ويرميانها في المتارب , وكان عمالهما يقلبون تربة الطبقات التاريخية فوق بعضها ويطمرون المناطق المفتوحة سابقة بتربة وكسر فخار المناطق التي يفتحونها وكان هذا يغير الكثير من المعالم ويحدث الفوضى في تأرخة المواقع والطبقات . فقام المتحف بتوبيخهما على الاهمال وتدمير البقايا الأثرية التي لم يسارعا لإعادة دفنها . وكان لايارد يتعلل بقلة المال الموجود لديه ولهذا السبب قال عنه المجمع العلمي البريطاني بأنه ( لان مخربا للآثار في القرن التاسع عشر).

‏العودة إلى نينوى والنمرود
مسلة آشور ناصر ابلي
‏في أواسط سنة 1849 قرر المتحف البريطاني إعادة لايارد إلى نينوى والنمرود مزودا بدعم مالي كبر ( 3000 ‏جنيه استرليني) , ولو قارنا هذا المبلغ مع المبلغ ألذي بدأ به لايارد ( 120 جنيها لعرفنا أن الهدف الحقيقي للمتحف هو إفراغ موقعي النمرود ونينوى وسرقة جميع جدارياتهما والأعمال الفنية الأخرى وهكذا فإن المتحف في استمرار دعمه للايارد ورسام بتلك الطريقة كان يسلك منهجا من الواضح أنها ستؤدي إلى كارثة النهب والتدمير لأجمل مدينتين اشوريتين ولم يتراجع امناء المتحف عن مواقفهم او يكلفوا أنفسهم بزيارة المدينتين ليروا ما يحل بهما ولم يحاولوا أبدا استنقاذهما بعد ذلك تم تزويد لايارد بتعليمات صارمة باختيار مجموعة كبيرة من المنحوتات والثيران المجنحة بعد إدراك المتحف للأهمية التاريخية الكبيرة للآثار والرقم الآشورية مع التأكيد على إعادة دفن المواقع التي يفتحها . وفي الشهر العاشر سنة ‏(1849) وجد أن الاكتشافات العظيمة لمنحوتة لاخيش و قاعة الثيران و مكتبة (آشور باني أبلي) قد تمت بغيابه . لذلك باشر العمل في مدينتي نينوى والنمرود سويا في وقت واحد يسابق الزمن مقررا استكمال جريمته وسلب كل ما تبقى من الآثار والجداريات فكان أكثر تصميما وشراسة فوظف ‏(100) عامل لحفر الأنفاق في قصر ( سين أخي أريبا ) في قوينجق . وفي النمرود كان يقوم بحفرياته العشوائية بحماسة لا أخلاقية حيث كانت معاول الحفارين تضرب في كل زاوية من وجه التل وتخدشه بشقوق وأخاديد كيفما اتفق والحفر أينما وجدت معاولهم مكانا للحفر في سطحه بحثا عن الغنائم فعثر في مدخل معبد نينورتا عند قاعدة الزقورة على المسلة الرائعة للملك آشور ناصر أبلي وهي بارتفاع ( 290 ‏سم ) مكتوبة من الظهر والجانبين بحوليات الملك وغزواته ووجد أمامها منضدة قرابين ثلاثية الأرجل وكانت المسلة موضوعة في ركن خاص ومكان مدروس في فضاء المعبد لتعطي الانطباع المطلوب منها. وكانت أعمال لايارد التخريبية هذه تتطابق تماما مع خطط واهداف امناء المتحف . وفي الشهر الأول سنة (1850) قرر السفر إلى الخابور مستكشفا احتمالية وجود منحوتة قابلة للنهب وكانت رحلة غير مثمرة حيث عاد إلى نينوى خال الوفاض.

‏الشحنة الخامسة – أم الحنة
‏قبل سفر ه ‏إلى الخابور قام لايارد بتوجيه كرستيان رسام لاقتلاع أجمل وأكمل زوج من الأسود المجنحة من إحدى بوابات قصر آشور ناصر أبلي في النمرود وأوكل له مهمة إنجاز بقية الأعمال المتعلقة بهذا الموضوع , فقام هذا بجلب حبال قوية من حلب وأعاد استخدام العربة التي صنعت سابقة وعمل على تسوية الأرض من الموقع حتى النهر وقام بإيصال المنحوتتين تتابعا إلى الشاطئ وقد تضررت إحداهما جراء النقل على العربة وبقيتا مطروحتين حتى جاء فيضان النهر القوي في الشهر الخامس حيث غمر الماء أحد الأسدين وعند محاولة نقله تحطم إلى قطعتين ‏بسبب تسرب الماء في مسامات حجارته الهشة , وتم إضافة (15‏) منحوتة جدارية و( 8 ‏) صناديق صغيرة وضعت جميعا على طوفين , وفي الشهر الخامس سنة ‏(1850) أرسلت الشحنة مع النهر إلى بغداد ومنها أكملت طريقها باتجاه ‏البصرة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة