جمال العتابي والرؤية الثقافية

أطّر تجربته الثقافية لأكثر من نصف قرن بالكتابة بآفاق رحبة، ومتنوعة في النقد الثقافي بمختلف الأجناس الإبداعية؛ وتمخضت تلك التجربة الرائدة بإصدارات متنوعة (كلمات متقاربة المدى – أفق مفتوح قراءات نقدية في الرواية وموضوعات أخرى ) .. دوّن رؤاه ورؤيته النقدية بقراءات بالمنجز الإبداعي للعديد من الأسماء العراقية في مجالات الكتابة ، والأدب ، والفن، والخط ،والتشكيل، والموسيقى .. فضلاً عن مفكرين وسياسيين لهم دورهم في تأريخ العراق خلال القرن ، نقده اعتمد الرؤية الواقعية بالتحليل العلمي لمعطيات النتاج الثقافي مع الظروف الموضوعية والزمكانية بقراءة جماليّة ومعرفيّة وتفكيكية لتجارب أثرت الساحة والواقع الثقافي . وقد جاء بمقدمة كتابه (كلمات متقاربة المدى )منشورات دار الثقافة والنشر الكردية –وزارة الثقافة ..سؤال: هل ننفصل عن الماضي والحاضر.. بعد أن عشنا تحولات وأحداث بمناخات مختلفة وعرفنا أسرارها ؟ ما يجمع هذه الكتابات ضوء خفيف ينبض ببطء تلتقي ببساطة الكلمة ، ووضوح البناء عبر اضاءات ثقافية وحضارية بلا افتعال ولا تعثر. مضافاً إلى ذلك عواطف وانفعالات من البراءة والجمال. منحتها هالة البقاء ، وحرارة القضايا .) بين الموضوع الأول :إبراهيم السعيد ..يا واهب الارتقاء في صحافة الأطفال. والموضوع الأخير –وفاءً ..لعبد الرحمن طهمازي ..تعددت الكتابات عن تجارب الشعراء والمبدعين، حكايا من صميم القلب وأريج وعطر الذاكرة الطرية عن (( صادق الصائغ- هادي الحمداني- محمد سعيد الصكار – شمران الياسري- موفق محمد – عبد الجبار عبد الله- كاظم حبيب – رشدي العامل- نوري جعفر – فالح عبد الجبار ………وآخرين )). تلك الكتابات تعد من الوفاء للمبدعين والثقافة العراقية كما سار على ذلك بكتابه الآخر الأكثر عمقاً وتحليلاً بالنقد الروائي والشعري ونص المكان جاء بدراسة مهمة عن فندق كويستيان رواية فليح خضير الزيدي» يسر الكتابة وإغواء القراءة «: ص 17 (( تتمحور الرواية حول شخصيتين رئيسيتين هما ( ناصر رشيد فوزي )) من اصول كردية ، أقدم على الهروب من الخدمة العسكرية ،والإفلات من فرن الحرب ،واستقر في المانيا ،فجأة يقرر ترك برلين وشقته الدافئة فيها وقطته (سيسو) ،أنيسه الوحيد هناك ، مصمماً على خوض مغامرة سرية لا يعرف نتائجها، متخلياً عن جنة المانيا الوردية ،بعد أن عاش فيها قرابة عشرين عاماً، قادته خبرته إلى العمل في صناعة التوابيت الأبنوسية الباذخة لموتى الألمان ، هذه الخبرة، اكتسبها من خلال خدمته العسكرية في إحدى مراكز استلام جثث الجنود الذين يقتلون في ساحات الحرب الثمانينية ،يصف ناصر توابيت الأبنوس: انها كانت المحطة التي تتناسب مع روحي الكئيبة ..)).ثم يُعرج على دراسة رواية تسارع الخطى «الشكل الثقافي النوعي في السرد « للمبدع أحمد خلف ص 23: )) يضعنا أحمد خلف من البداية ،أمام حالة معقدة ووضع مربك في حوار خافت بين الفتاة والمختطف ،أثناء الليل حين يزحف القتلة واللصوص نحو النوم،….)) وفي دراسة ممتعة عن شرق الأحزان ..» سر النهايات الفاجعة « ص29-30 (( أسهم عباس لطيف في تعميق الاحساس بثيمة الرواية ومغزاها الكلي ،إلا أن إشكالات عدة تواجه القارئ وهو يحاول البحث عن إجابات لبعض الأحداث… لجأ الروائي إلى أساليب متعددة في السرد ،من ضمير المتكلم إلى الغائب ،فالمخاطب وقسم إلى مقاطع ،أسهمت في استكمال زوايا الرواية للشخصيات المحورية والكشف عن أبعادها المختلفة عبر أكثر من زاوية )).وفي ص 168 عن الغازية منجم الإبداع وذكريات الدكتور جمال العتابي حيث يؤكد بنصه الباذخ بالمكان وعبق الذكرى وأصدقاء الكتاب والفن والموسيقى لِيدون من نفحات الروح ونبض القلب تلك الكلمات السامقة عن الغناء والإبداع وذكرياته مع طالب القره غولي (( من منا لا يعرف الغراف ،النهر القادم من مقدمة سدة الكوت ،يتدفق مثل اسراب الطيور التي تحطّ فيه تارة ،وتعلو تارة أخرى ..)).
صباح محسن كاظم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة