قبل أن تدلف ناحية اليمين إلى إذاعة الصالحية ثمة مقهى، تقع على ركن الشارع المؤدي إلى جسر الأحرار ، تبعد قليلا عن ضفة النهر .، تدخل إليها من الشارع العام الذي تطل عليه بوابة الإذاعة أو أن تعطف قليلا بمعية الجامع ، حين تقدم من ناحية النهر .
مررت بها هذه الأيام وكنت ارتادها قبل ثلاثة عقود، حيث يجتمع موسيقيو إذاعة بغداد هناك في وجبتين، الظهر بعد الساعة الواحدة يخرجون منفردين، وقد انهوا توا أوقات الدوام ، بيد أنهم يجتمعون ثانية في المقهىى وغالبا ما يكون للتواعد أو الاتفاق مع المتعهدين على عمل موسيقي بإحياء حفلة عرس أو مناسبة شعبية. لقد اعتادت الناس التي تطلبهم الذهاب إلى المقهى و ترك موعدا لهم مع آبي نامق ، صاحب المقهى .
الوجبة الثانية، وهم غالبا ما كانوا يمارسون عملهم الإذاعي خفارة ، إذ بعض الأحيان يتم تسجيل الأغاني بالإذاعة او التلفزيون بعد الساعة الرابعة عصرا ، .بعدما يخيم ظلام يخرجون سوية باتجاه أزقة بغداد لتبدأ سهرتهم في إحدى الحانات، نادرا ما تكون لهم سهرة خالية من الطرب، إذ غالبا ما يتم حجزهم في الأفراح أو صالات الغناء العامة ، حتى أني سمعتهم مرة يتندرون بأنهم ذات ليلة قرروا فيها الراحة التامة ، فذهبوا لحانة غير معروفة ومنزوية عن الشارع ، بيد أن روادها عرفوهم وهات طرب وموسيقى بليلة صباحية ، كما يقال . .
المقهى دائما تعج بأصوات الآلات الموسيقية ، فأحدهم يضبط أوتار الكمان والأخر يدوزن الجيلو على إيقاع الدف أو ناي «خضر اليأس « ، في الأوقات التي يكونوا فيها داخل الإذاعة يلجا الحاج أبو ناطق إلى تشغيل المذياع وهو يعرف بالضبط متى تذاع الأغاني الأصيلة من الاذاعة .
الرحلة صوب المقهى هذه الأيام تجلب الكآبة ، فهي هرمة ، في ضلوعها نام تاريخ جميل ، لكنه تصدع على هيئة شقوق وعناكب ، في كل ركن منها يتوسد الإهمال واللامبالية تجاه تاريخ موسيقي حافل وممتد لأكثر من ثلاثة عقود ، لقد أكل الزمن رونقها وفارقها أبو ناطق ، صاحبها العتيد الذي كان يحتفظ بجداول مواعيد الحفلات الغنائية و أوقات فراغهم ، حتى نحن المتطفلون على نظام المقهى كان ينظم لنا أوقات مجيء الفنانين لنجلس معهم أو نحاورهم أو أن نلتقط صورة مع مغني أو عازف مشهور .كراسيها فارغة الآن ، ألا من بعض المتقاعدين ، ثمة « راديو « صغير تغني فيه أم كلثوم إحدى الأغاني القديمة.
حميد الربيعي
مقهى »أبو نامق«
التعليقات مغلقة