جامعة النفايات

كلما نظرت الى احداهن وهي تنبش اكوام النفايات وهي مغطاة بلون اسود لا تظهر سوى عينيها اللتين تماها لونهما مع خمارها تذكرت قصة كارتون « بائعة أعواد الكبريت «التي كنا نبكي ونحن صغار عند مشاهدتها في برنامج «سينما الأطفال « , لا اعرف ما الرابط او الاتصال بين الشخصيتين الا ان الحزن ذاته ينتابني وأتمنى لو كنت املك أي قرار او سلطة لمنعها ولو بالقوة من هذه المهنة التي لا تليق بها او بأي امرأة على وجه الكون , الا ان المرأة العراقية حالة استثنائية من الحزن والهم والمعاناة المتوارثة والغريب اننا بدأنا نعتاد على هذا المنظر المؤلم الذي افقدها روحها وانوثتها وجعلها تتحول الى آلة لنبش النفايات .
وراء كل خمار او نقاب هناك آلاف القصص والمآسي تحملها جنباً الى جنب مع « جونية علب البيبسي الفارغة « على كتفها الذي تصدع من كثرة الإهمال والهموم.
والمضحك المبكي انها لا تقبل أي مساعدة مادية من أي شخص ولا تتحدث الى أي شخص فأي عزة وكرامة.
تحمل بأن تقبل ان يكون مصدر قوتها وعيالها النفايات على ان تمد يدها لاستجداء المارة، غريبة تلك التركيبة التي تتكون منها هذه المرأة الحديدية.
فالأحزان لم تجعلها تنحني بل زادتها صلابة والعوز لم يذهب ماء وجهها الكريم الذي تعادل كل قطرة من قطرات عرقها مئات الرجال الذين ينتشرون في الشوارع لامتهان الاستجداء او التسليب وسرقة الناس او حتى من جلسوا على كرسي المسؤولية في غفلة من الزمن وبمحض المصادفة العمياء فهي مازالت أبية وكريمة النفس لم تسكن القصور او خلف الاسوار والحمايات تحيط بها ولم تعلم ابناءها في دول أجنبية ولم تفكر ولو ليوم ان تكون سبباً في مأساة او معاناة أبناء جلدتها الذين نسوها بل اسقطوها من قائمة الباقين على قيد الإنسانية واكتفوا بالنظر اما باستهجان او تعاطف لها والنظرتين لن ولم تقيها برد الشتاء او حر الصيف او تطعم او تكسي ابناءها الذين يشاركونها ذات المهنة وذات المأساة .
فهنيئاً لحكومة في بلدها مئات الآلاف من النساء تحت وطأة العوز والحرمان في حين يتربع الفاسدون ومن لف لفيفهم على مقدرات هذا البلد.
زينب الحسني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة