في بيتنا داعشان

اذا كانت الشخصية الداعشية مبنية على نزعة التعصب الى حد كراهية الآخر، لمجرد انه ينتمي الى «فئة» اخرى أو يحمل عقيدة مخالفة، وانها ترى بأن الحق الى جانبها في تخوين الاخر (فردًا او جماعة او امة كاملة) واقامة الحد عليه فان لدينا جمهوراً كبيراً من الدواعش غير اولئك المنتمين الى |خلافة ابو بكر البغدادي الفاجرة ويحملون السلاح وينظمون المذابح الانتحارية، فالمطلق عند هؤلاء واولئك هو امتلاك الحق والحقيقة وأحتكار (الله) وبالتالي كل الوسائل لقهر الاخر وتدمير حياته مشروعة مادامت توصلهم الى «مرضاة الله» وجواز وصولهم الى نعيم الآخرة
على ان ثمة زاويتين، غير دقيقتين، في النظر الى شخصية وكفاءة وخلفيات “المقاتل” الداعشي، الاولى، بوصفه جاهلا، مغررًا به، مندفعاً بغرائز الانتقام، محدود التعليم، مغفّلا، أهوجاً، منقطعاً عن المعارف والفرص والتواصل المجتمعي، وغالباً ما تعرض الشاشات التلفزيونية نماذج من افراد التنظيم الارهابي وهم سُذجا “يعترفون” بجرائمهم، ويطلبون التوبة والغفران، ويكشفون عن تحصيل تعليمي متدنٍ، أو عن شعور بالخزي جراء سقوطهم في الخديعة الجهادية التكفيرية.
اما الزاوية الثانية، فهي تتحدث الشخصية الداعشية على هيئة مقاتل، مدجج بالعلوم والمعارف، وقد خبَرَ فنون القتال، وتمرّس باستعمال أحدث تقنيات السلاح، ومهارات التخطيط والمناورة، وحاذق في التحكم بمفاتيح الاتصالات والبرامج الالكترونية، وتأخذ بعض المتحدثين في ندوات تلفزيونية استطرادات في تفخيم كفاءات هذه الشخصية، من باب نظرية “إعرف عدوك” والاعتراف بتفوقه في فنون ادارة المعارك، باعتبار ذلك سبيلا الى الحاق الهزيمة به.
اقول، ان زاويتي النظر هذه تتسمان بالمبالغة وعجالة التحليل، والاهم، انهما لاتنطلقان من معطيات استقصائية مباشرة عن افراد التنظيم الاجرامي، ولا عن لقاءات مع نماذج منهم، أو عن قراءة في محاضر التحقيق مع المقبوض عليهم، بل من افتراضات تقوم على معلومات يجري تسويقها في الغالب من قبل اقنية وتقارير اجنبية، واخرى تابعة للارهابيين او متعاطفة معهم، او من خلال مطالعات تحاول تأويل اسباب “الانتصارات” الخاطفة التي حققها الارهابيون في اختراق المنظومة الامنية الوطنية، من حادث الاقتحام المثير لسجن ابي غريب، ثم في الاجتياح الاكثر اثارة لمدينة الموصل.
نعم، ثمة في صفوف الارهابيين متطوعون جاءوا من ساحات، خليجية او اوروبية، حملوا معهم خدمات التكنولوجيا وفرصاً كبيرة للتعلم والاتصال بالتكنولوجيا، وغالبيتهم تعرفوا على تقنيات محددة تتطلبها وظيفة الانخراط بمشروع العنف والجريمة العمياء قبل ان يعبروا الحدود الى العراق، عدا عن بعض ملاكات التصنيع العسكري لنظام الدكتاتورية التي انضمت لمشروع داعش، لكن الكثرة الساحقة من الافراد لا علاقة لهم بالمهارات العلمية، باستثناء رطانات الجهاد والتكفير والانتقام الطائفي الاعمى.
اما الداعشي الآخر ، فله حديث آخر.

***********
البحتري:
« ولا تصدق بما البرهان يبطله «.
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة