معالجات القضاء الدستوري لإخفاقات قانون الأحزاب السياسية

إياس الساموك
كاتب عراقي
عادت مرة أخرى إلى الواجهة الإعلامية تصريحات بعض النواب حول قانون الاحزاب السياسية المقرّ من مجلس النواب خلال العام الماضي، ومساعي البعض لتقديم تعديلات بدلاً عن فقرات جرى نقضها من المحكمة الاتحادية العليا.
بمناسبة هذه التصريحات، تأتي الحاجة لتوضيح قرارات صادرة من المحكمة الاتحادية العليا، التي يمكن أن تعد واحدة من أهم توجهات القضاء الدستوري من حيث معالجتها لمواد سنّت بطريقة لا تتناسب مع الوضع الديمقراطي من ناحية تمويل الكيانات السياسية، حيث ارادها النواب المصوتون على القانون أن تكون حكراً عليهم، وكذلك الجهاز الاعلامي، إضافة إلى التحصيل الدراسي لمن يتولى مسؤولية الحزب.
القرار الصادر خلال العام الماضي بعدد 3/ اتحادية/ 2016، الغى ثلاث فقرات مهمة، الأولى الفقرة السادسة من المادة التاسعة، التي اشترطت امتلاك رئيس الحزب الشهادة الجامعية، وأن ذلك لا يتسق مع الواقع السياسي و الدستور الذي لم يشترط في من تولى منصب رئيس الجمهورية أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية أو ما يعادلها.
المنصب الرئاسي هو بحسب القرار سياسي فمن باب أولى فأن مهام رئاسة الحزب عمل سياسي بحت يجب أن لا يقترن بالحصول على تلك الشهادة.
ورأت المحكمة أن ذلك الشرط يفضي إلى حرمان عدد كبير من المواطنين ممن مارسوا وتمرسوا في الشأن السياسي وأصبح لهم جمهورهم من ممارسة هذا الحق، وتاريخ العراق شاهد على ذلك، حيث أن عدداً كبيراً من السياسيين من غير الحاصلين على الشهادات الجامعية تبوؤا رئاسة احزاب عريقة، وشدد القرار على أن هذا الامر موجود في اغلب دول العالم سواء في الرأسمالية أو الدول الاشتراكية سابقاً.
وشملت المعالجة القضائية لإخفاقات قانون الاحزاب الفقرة الثانية من المادة 222، التي تتحدث عن المسؤولية الجزائية لرئيس تحرير جريدة أو مجلة الحزب عمّا ينشر فيها.
حيث ذهب القرار القضائي إلى أن مسؤولية رئيس التحرير الصحيفة او مجلة الحزب تضامنية مع كاتب المقال فعلاً او صورة أو غيرها في تحمل التعويض عن الضرر الناجم عن النشر.
لكن مسؤولية الكاتب، بحسب القرار تكمن بتحمله الجانب الجزائي في الفعل الضار الى جانب التعويض الذي سببه ذلك الفعل مقالاً أو صورة أو غير ذلك.
وعللت المحكمة موقفها بأن العقوبة الجزائية شخصية ولا يمكن أن يتحملها رئيس التحرير أو المدير المسؤول عن الصحيفة أو المجلة كونه يمثل الصحيفة أو المجلة أو المطبوع بالشخصية المعنوية، ولا يجوز معاقبته جزائياً مستدلة بالآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر اخرى).
وامتد قرار المحكمة إلى الفقرة الثانية من المادة 444، التي تتحدث عن اعانات الاحزاب المالية، وقام بإلغائها ايضاً.
هذه الفقرة حددت توزيع الاعانات المالية بنسبة (800)% على الاحزاب الممثلة في مجلس النواب وفقاً لعدد المقاعد التي حاز عليها مرشحوها في الانتخابات النيابية، لكن المحكمة عدّت هذه نسبة غير عادلة.
تلك الالية تؤدي بحسب وجهة نظر كبار القضاة إلى تركيز السلطة بيد احزاب حصلت على تأييد جماهيري في مدة زمنية وتؤمن استمرارها بأغلبية مميزة بأموال الدولة وهي اموال الشعب ولا تسمح لغيرها وهي الاحزاب النامية بأن تأخذ دورها في الحياة السياسية المستقبلية.
ومضت المحكمة إلى أن التوزيع وفق الفقرة الملغاة مخالف للمادة (144) من الدستور التي تنص (العراقيون متساوون أمام القانون) والمادة (16)، منه التي نصت على (تكافؤ الفرص مكفول لجميع العراقيين وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك).
أمام هذه الفقرات الملغاة، نلمس مقدار الضرر الكبير الذي كان سيحصل لولا تدخل القضاء الدستوري ومعالجته لها، في وقت يتوجب على النواب الذين بصدد تقديم تعديلات على القانون الالتزام بها وعدم تكرار الإخفاقات السابقة حفاظاً على النظام الديمقراطي وحتى لا تكون عرضة للنقض مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة