العراق والبحث المكثّف عن الكفاءات القيادية

في ظل تفشي الفساد بنحو غير مسبوق
ترجمة: سناء علي*

ثورة جديدة يعيشها العراق في ظل استمرار التظاهرات والدعوات المطالبة بالإصلاحات والقضاء على الفساد، الذي تفشى بنحو غير مسبوق في جميع مفاصل الدولة العراقية بسبب المحاصصة الحزبية والطائفية، التي اعتمدتها الأحزاب المتصدية للعمل السياسي في العراق والتي أثرت بنحو سلبي على الواقع الخدمي والأمني والاقتصادي بسبب ضعف أداء الحكومات المتعاقبة، التي عملت الى بناء نفسها وأحزابها من المال العام.
هذا ما أكده بعض المراقبين بأن المشكلات والأزمات الكبيرة التي يعيشها العراقيون واللا مبالاة التي يعيشها ساسة وحكام العراق، كانت سبباً في إزهاق الأرواح وتدمير وضياع بعض المناطق والمحافظات المهمة بيد عصابات داعش، التي استفادت من الصراع الحزبي والطائفي وتفشي الفساد وتمكنت من تحقيق بعض أهدافها في العراق، هذه المشكلات والأزمات المستمرة أسهمت بتأجيج وإثارة المواطن العراقي الذي خرج في تظاهرات واحتجاجات كبيرة تطالب الحكومة، بإجراء إصلاحات وتعديلات جديدة مع ضرورة محاسبة الأحزاب والشخصيات الفاسدة . «
كما اضافوا «في المجتمع العراقي ، لم تُراعِ شروط الكفاءة والقدرة، وفي الغالب لا يوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وغالباً ما يتم محاربة أصحاب الكفاءات والقدرات، من لدن أناس هم أقل منهم شأناً في المؤهلات وما شابه، وهذا يحدث في منظومة الحكم في الدول الإسلامية والعربية، حيث المحسوبية والحزبية والمناطقية والولاء للسلطة بدلا من الدولة، هي التي تحكم توزيع المناصب والوظائف، حتى تلك الحساسة منها، وهذا يقود الى فشل في الإدارة والقدرة لينعكس على المجتمع كله.»
المحلل السياسي « ستيلو ادوان « اشار في مقالة كان قد كتبها على صفحات التايمز بنحو متتابع ان الكفاءة والقدرة هي من مقومات الإصلاح الاجتماعي، وما نراه اليوم من كثرة المشكلات في بلاد المسلمين وفي العراق بصورة خاصة فإن من أسبابها عدم القدرة والكفاءة القيادية.»
ويؤكد ستيلو ان «استناداً الى الأحداث التاريخية، ووفقاً لحالة التخلف التي عاشها وما يزال يعيشها المسلمون الى الآن، أن هناك نتائج غير موفقة للمسلمين في قيادة العالم، باستثناء ما تم في حكومتي الرسول الكريم (ص)، حتى أثبتت حكومته ريادتها للمجتمع الدولي آنذاك، ولكن في المراحل التالية فشل المسلمون في البقاء في موقع الريادة، بل فشلوا حتى في ادارة شؤونهم وأنفسهم.»
كما اشار الى ان اخفاق رعيل السياسة الأول في ايجاد بؤرة ارتكازية وتخطيط مدروس ومبرمج كما تتطلبه المرحلة ناجم عن نقص كبير في المنظومة الفكرية الماسكة بزمام القرار جراء عزلتهم الطويلة عن المجتمع وتشويش الصورة في رسم ملامح الدولة المنتظرة , لاسيما حقبة العشرينيات المعقدة بتفاصيلها المروعة وملابساتها الغامضة التي امتدت على طول المرحلة الملكية. وبمجمل احداث هذا الفصل المضطرب والمثقل بالتراكمات والتجاذبات بالغة التعقيد انعكس بكل اورامه وامراضه على الوضع الراهن بسبب توفر البيئة الخصبة لنمو هذه الافكار والمنطلقات البليدة. ومن دون الحاجة الى سرد تفاصيل المشهد الحالي تبرز امامنا جملة من المعطيات والدلائل التي تشير الى تشابه الاوراق. «
كما تابع قائلا ان «أزمة الحكومة الحالية وتدهور الاوضاع السياسية والامنية نابع من عدم وجود مشروع وطني واهداف سياسية عابرة لكل الاختلافات والاضطرابات في الشأن العراقي، هذا إضافة الى التناحر المستمر وأزمة الثقة بين الكتل السياسية.»
كما نوه الى ان الاحزاب والمكونات السياسية نمت وترعرعت اغلبها اذا لم نقل جميعها خارج اسوار الوطن، أي انها ايضا تسللت عبر الحدود مع جحافل القوات الغازية وقد تشبعت بمفاهيم ومعتقدات الدول الراعية والحاضنة لها، ما جعلها اسيرة عدة اعتبارات خنقت الاصوات الوطنية الرامية الى حلحلة الامور كونها لم تعايش الواقع بكل تجلياته السابقة. وهنا رب سائل يسأل لماذا اجريت المقارنة بين العهد الملكي والحالي واظهرت اوجه التشابه في فشل الساسة بتأسيس مشروع الدولة العراقية، في حين ان هناك مدداً خضعت الى حكم ابناء الداخل من عسكريين ومدنيين، بيد انها لم تكن احسن حالاً من غيرها، لكن الفارق الوحيد ان العهود التي حكمت من قبل ابناء الداخل تميزت بالدكتاتورية من دون ان تعرض العراق الى مخاض تاريخي عسير يهدد مستقبله بانهيار فظيع، كما يحدث الان.»
سيللو اشار الى ان» انعدام الخبرة والدراية ونقص التجربة الكافية بمجريات الامور السياسية في العراق نتيجة الغياب الطويل عن التطورات السياسية والاجتماعية، كلها عوامل اساسية تركت آثارها السلبية على الوضع العام وقطعت الطريق امام الحلول وتشخيص العلل المزمنة في الدولة الفتية، هذه النتوءات والتصدعات الخانقة تحولت بمرور الزمن الى ظاهرة سياسية يكرس لها وينطلق منها بوصفها البديل الناجح للحالة السائدة المشوبة بالتعقيدات والتشنجات بين الفرقاء المتبارين على الساحة السياسية.»
سيللو اختتم حديثه « ليس هناك طريق أمام العراقيين لاستعادة موقع الصدارة، وتقدم الركب العالمي إلا من خلال الإصلاح، وهو هدف ليس سهلا قط، وينبغي أن يبدأ بالنفس أولا، فقادة الإصلاح ينبغي أن يصلحوا أنفسهم أولا، وكل فرد يريد السعي لخدمة بلده والارتقاء بهم مجدداً، عليه أن يسعى أولا لإصلاح نفسه، ثم الشروع بعمليات كبرى للإصلاح تشمل الجميع من دون استثناء.»

* عن صحيفة الصن تايمز البريطانية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة