البراغماتية ، تعد منهجا فلسفيا في التفكير, هي معاكسة للفلسفة القديمة, تبدأ بالتصورات لتظهر صدقها من خلال النتائج, تبين بأن الفعل ليس أداة للمعرفة, انما هو أداة لتطوير الحياة وتنميتها. من خلال البحث والاجتهاد واظهار الحقائق من دون ادعاء او تناحر , فهي تدعو الى حقيقة المفاهيم ولا تثبتها الا بالتجربة.
هناك دائما حقيقة متغيرة ,وما الفكر الا مرشد لكيفية تحقيق المصالح والوصول الى الاهداف , لنجد بأن ليس هناك حقيقة مجردة ,فالحقيقة اليوم قد تكون خطأ بالغد, لأن الحقائق القديمة كالاسلحة تتعرض للصدأ وتصبح عديمة النفع , مما يؤكد لنا بأن المنطق والثوابت ، التي ظلت حقائق لقرون ليست حقائق مطلقة ومن الممكن ان تكون خاطئة ,لذلك نجد بأن الفلسفة العلمية هي فلسفة تجريبية تعود بالنفع على الفرد الذي يحدد الفكرة من خلالها.
افكار البراغماتية مميزة مؤثرة على تطور الفكر السياسي ,فالمفكرون السياسيون المتأثرون بالبراغماتية يرفضون الفصل بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ,يؤمنون بالمذهب الفردي ويرفضون التسلط والشمولية من خلال ارادتهم وحريتهم الناتجة عن قدراتهم على التحكم في مصير البلاد من دون تدخل قوى اخرى.
عندما نختار الحقائق لتسيير أمورنا ونسعى لاحداث تغيير جذري في حياتنا ، نبدأ بتغيير أفكارنا الراكدة التي ورثناها ،من خلال ثقلها بالوعي وتجريدها من الحقائق المغلوطة بكثير من يوميات حياتية ومفردات الواقع الذي نعيشه او نحاصر بمحطيه ،نجد بعدها باستطاعتنا ايجاد حلول ترضينا في معيشتنا والتأقلم معها ، للوصول الى نتيجة حتمية تقودنا لحياة فضلى .
مما يجعل المقارنة بيننا وبين الاخر الذي يدعي التحضر او فعلا هو هكذا بناء على ما نحن فيه – باقل تقدير – نجد بأن فلسفة البراغماتية هي السائدة في سياسته في مجتمعاته ايضا،مما يعطيه مكانة تمكنه وفقا لظروف ما لقيادة العالم من خلال قوته العسكرية والاقتصادية والسياسية , وتعود تلك القوة لعمله الدؤوب من خلال اكتشافات واختراعات تعود بالمنفعة للبلاد وتوظيفها لمصالحه وان كانت على حساب دول وشعوب اخرى ينبغي لها ان تتحرك وتلملم شتاتها ، مما يمجد ذلك ارادته ويساعده على توجيه فكره نحو الحركة والمستقبل ,وتقديم المنفعة في دنيا العمل، دون الاهتمام بالنظريات والقيود التي تخدر شعوبنا في دول العالم الثالث ,فهمه الاكبر يعود للنتائج العملية البناءة.
امتازت الفلسفة البراغماتيه باهتمامها بالمبدأ التجريبي واتباع النتائج وادراك الوعي الواقعي وعدم التقوقع في غياهب الماضي الذي اضعف الكثير في الفهم الحقيقي للحياة واعمار الارض ,برغم كل ذلك يبقى هناك اشياء ، لا تقبل الشك في الدين والعقيدة ،التربية الاجتماعية ، لانه من الصعب ان نجمع ما بين الشك والايمان ,فهناك امور غيبية. من صناعة الخالق وحكمته ،هي قدرة ربانية ما زالت بعيدة المنال وفقا لاسرار الكون والانسان الذي حقا لم يع ويعلم ويأتي من العلم الا قليل فيه .
هنا أمام الأحداث الدامية التي نشهدها في منطقة الشرق الأوسط، وعدم مقدرة أيّ مِن الأطراف المتنازعة على حسمِ النزاع لمصلحته. يتراءى أمامنا بأنّ أيّ دعوة لتغيير السياسة العالمية، ووضع براغماتية جديدة، ستكون سابقةً لأوانها. لأن العوامل لم تنضج بعد في إحداث التغيير، كما وأنّ هناك ملفات كثيرة ونزاعات قائمة بين الاطراف تشعبت وتفاقمت لدرجة يصعب حلها وارضاء الجميع، مما يتطلب من القيادات الشرق اوسطية ان تكون مخلصة لبلدانها وشعوبها و انفسها اولا وقبل كل شيء اذا ما ارادت ان تقرأ الواقع بصورة براغماتية وتقدم المنفعة لمصالحها كي تخفف وطأة منافع الاخرين بتسمياتهم المتنوعة ( استعمار ، استغلال ، ارهاب … غير ذلك الكثير مما نعاني منه ويعد سبب كل ما نحن به من ضيم وقهر وتشتت .. فهل من مستمع ومجيب !! ) .
*كاتبة لبنانية
ايمان عبد الملك