رأيٌ في احتمالات تقسيم العراق

في كل مرة يجري الجدل حول خطر» تقسيم العراق» يربط البعض هذا الخطر بموضوع خيار استقلال اقليم كردستان عن الدولة، والبعض الآخر يربطه بدعوات اقامة إقليم البصرة او اقليم كركوك، او دعوات اقامة اقليم غرب العراق، علماً ان الدستور العراقي قضى بحق اقامة الاقاليم (الفيدرالية) بالنسبة لأي محافظة او اكثر من محافظة واحدة، وان خيار الدولة الفيدرالية، بحسب تجارب الدول التي اختارت هذا الشكل من اشكال اللامركزية يضمن قوة وتماسك الدولة وتنميتها لا تفتيتها او تقسيمها.
اما موضوع استقلال كردستان (بصرف النظر عن الطريقة والكيفيات التي ترافقه) فليس بالضرورة ان يكون عامل تقسيم العراق، اخذاً بالاعتبار حقيقة ان دولا عديدة استقلت اقسام منها، لكنها استمرت من دون انهيار او تقسيم، السودان مثلا..
بموازاة ذلك فان تقسيم العراق الى سيادات (دويلات. امارات..) واحد من الاحتمالات التي يمكن ان يتمخض عنها الصراع القائم بين أحزاب المكونات الاثنية والدينية، ينحسر أو يتسع، بحسب آثار ومديات الانشقاق في النسيج الوطني، وكذلك بحسب موقف الدول صاحبة الثقل والتأثير في هذا النسيج، وبمعنى آخر، فان تقسيم العراق تفرضه جملة من الانعطافات والمعطيات التي ينبغي (لمن يتصدى للموضوع) ان يمعن النظر فيها، وفي حقائقها.
لكن العقل السياسي الظني يروّج فرضية التقسيم على اساس النيات المبيتة للقوى الخارجية ويعد اعلان حرصها على وحدة العراق بمنزلة تضليل، فهو مشروع سري «جهنمي» يجد طريقه الى التنفيذ بتوقيتات محددة، ولا فائدة من ذمّ هذا القادم الكريه، مثلما لافائدة من ذمّ الشيطان الرجيم.
فيما يتأكد للمحلل (المتحرر من هذا المنظور) ان هذه الدول الموزعة في تعاطفها على المكونات السكانية تنظر الآن بهلع الى خيار تقسيم العراق لأنها تعرف بأن الدويلات المنبثقة عن الدولة الام ستكون عبئاً عليها، وقد تشكل منزلقاً لها الى ساحة حرب لا حدود لنتائجها الكارثية، وأهوالها.
هذا لا يعني تنزيهاً لنيات الدول والقوى الخارجية، ولا النظر لها كجهات مُحسنة، بل يعني حصراً القول بأن هذه الدول (بحسب مصالحها الاستراتيجية) تريد عراقاً مضمون الجانب، كفيلا لنفوذها، ولا يصدر لها أزماته وفضلات احتقاناته الطائفية والاثنية. اما الثروات التي يقال انها مطمع تلك الدول فان دولة عراقية موحدة اضمن لمصالحها تلك من ان تكون دويلات تخوّض في حرائق وتحول الثروات الى كومة من القش، ثم الى اعمدة دخان.
العقل الظني مغرم بالحديث عن التاريخ، بطريقة انتقائية، فيقول لك ان «تدمير» العراق وتفتيته الى دويلات حلقة من مسلسل بدأ من الاندلس على يد «الغرب المسيحي» ولم يتحدثوا عن احزاب الطوائف «الاسلامية» التي فسدت، آنذاك، حتى النخاع، وتقاتلت على السلطة حتى في غرف النوم، ثم باعت اوطانها برقائق ذهب اكتشفت انها مغشوشة، لكن بعد عبور البحر هرباً.. وفوات الاوان.
*********
لقمان الحكيم
«يأتي على الناس زمان لا تـُقرّ فيه عينُ حليم».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة