رؤية واقعية للأزمة الاقتصادية في العراق ومقترحات لحلها

محمد صاحب الدراجي

مقدمة
بعد ان تم استنفاد الخطط الامنية والعسكرية لإسقاط التجربة السياسية في ادارة الدولة العراقية في حقبة ما بعد البعث من حيث ارباك المشهد الامني او احتلال اجزاء من الوطن من خلال مرتزقة داعش سيبدأ اعداء هذه التجربة باختلاف مشاربهم ومصالحهم بصفحة جديدة ستدخل لكل منزل عراقي وتؤثر على حياة جميع المواطنين الا وهي الازمة الاقتصادية التي سنواجهها خلال السنتين المقبلتين والتي قد تطيح بالتجربة ككل وتغير شكل الحكم في العراق نحو الاسوأ. هذه الازمة ان استمرت وتفاقمت قد تعصف بالمجتمع العراقي وتنهي ما يسمى الحكم الديموقراطي في العراق وتسقيط قياداته ورموزه.
وللأسف جميع القوى السياسية الفاعلة كان لها دور في تفاقم هذه الازمة وعدم احتوائها اما لأسباب انتخابية او لعدم وضوح الرؤية الحقيقية لواقع هذه الازمة وتداعياتها المستقبلية. وسنعرض المشكلة باختصار مع النتائج السلبية المتوقع ترتبها جراءها وكذلك بعض الحلول كنقاط قابلة للنقاش والتمحيص والاخذ بالممكن منها مع مراعاة الجوانب الاجتماعية واحتواء تداعياتها>

المشكلة
يكمن اساس المشكلة في تدني اسعار النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد العراقي اعتماداً كاملا اضافة الى ارتفاع النفقات التشغيلية للدولة من رواتب وخدمات ومستلزمات ودعم معيشي يفوق الواردات المتحققة وغياب الاستعمال الامثل لمخرجات الواردات المالية (التي تتوزع كرواتب وتصرف كخدمات) من حيث ان الكتلة النقدية التي تكون متداولة يتم سحبها من المواطن عن طريق السلع والمواد ويتم تحويلها الى دولار عن طريق البنك المركزي وبسعر مدعوم للأسف ويتم تحويل هذه العملة الصعبة (التي حصلنا عليها عن طريق المورد الوحيد الذي هو النفط) الى خارج البلد عن طريق الاستيرادات لمواد استهلاكية ينتهي بها المطاف بعد استعمالها اما في المزابل او مجاري الصرف الصحي.
والادهى من ذلك ان اسعار النفط الحالية والمستقبلية المتوقعة لا تكفي للوصول لنقطة التعادل مع الموازنة التشغيلية فقط وخصوصاً بعد خصم 10 دولارات من سعر البرميل كمعدل لدفع كلفة الاستخراج والمقصود بنقطة التعادل هو تغطية النفقات التشغيلية من دون الصرف على المشاريع التنموية او الخدمية، بل لا تكفي لسد الرواتب والرعاية الاجتماعية والتوقيفات التقاعدية مما اضطر الحكومة الى استعمال اموال من احتياط البنك المركزي وصندوق التقاعد وهذه مخاطرة اقتصادية كبيرة كما تم الاقتراض خارجيا واستعملت بعض اموال الاقتراض الخارجي لدعم الموازنة التشغيلية وليس الاستثمارية وهذا خطأ فادح. من الواضح ان السياسة النقدية والاقتصادية استسلمت للأمر الواقع وهما الاول دفع المشكلة للأمام تحسباً لتأثيراتها السياسية المحتملة والمجازفة بالمستقبل الاقتصادي للبلد على امل تحسن اسعار النفط او رمي الكارثة بأحضان الحكومة المقبلة بعد انتخابات 2018.
السؤال الاهم لمستقبل العراق ماذا لو لم تحسن اسعار النفط في السنتين المقبلتين بما يضمن الوصول لنقطة التعادل لسد المصروفات الجارية الحاكمة ناهيك عن تسديد مستحقات المقاولين والصرف على المشاريع المتوقفة في الاقل قبل تعرضها للاندثار وفقدان قيمتها المنجزة متناسين أي برنامج للتنمية عن طريق مشاريع جديدة
النتائج المترتبة على استمرار النهج الحالي في ادارة الاقتصاد
– هبوط احتياطي البنك المركزي العراقي حيث انه فقد لحد الان نحو 40% من قيمته منذ 2014 واذا استمر السحب من الاحتياطي ستكون نتائج كارثية وتداعياتها دولية وليس محلية فقط.
– تأثر صندوق التقاعد واختلال بنيته النقدية والاجدر ان يتم تنميته وتشجيعه على الاستثمار بدل ان يتم الاقتراض منه وتعريضه بعد الاستقرار النقدي.
– انتهاء دور القطاع الخاص وخسارة الواقع الاقتصادي لنشاطه المهم وانهيار سوق التجزئة .
• بقاء الدولار رخيصاً مما يساعد على تشجيع الاستيراد وتحقيق فائدة للمصدرين من الدول الاخرى على حساب المنتج المحلي.
• انهيار تام للقطاع الصناعي والزراعي في البلد على المستويين العام والخاص وارتفاع حاد في نسبة البطالة.
• عدم القدرة على دفع الرواتب للموظفين وبالتالي التأثير على الاعمال الصغيرة المعتمدة على ما ينفقه هؤلاء من رواتبهم لسداد احتياجاتهم الحياتية
• امتناع المقرضين الدوليين عن اعطاء قروض للعراق بسبب هذه التداعيات
الحلول المقترحة
– ايقاف مزاد العملة او في الاقل تقليله لإنهائه تدريجياً وتعويم سعر الدولار مع ضمان تدخل البنك المركزي لإبقائه تحت السيطرة من خلال ضخ الدولار وزيادة عرضه عند الحاجة عن طريق المصارف او دفع رواتب للموظفين بالدولار بسعر صرف معين للسيطرة على مستوى مقبول من التضخيم
– تفعيل الجباية البلدية من ماء ومجارٍ وتنظيف مع تقديم هذه الخدمة بالتعاون مع القطاع الخاص وكذلك إعمام تجربة خصخصة الجباية للكهرباء على جميع المناطق
– التركيز على تطبيق التعرفة الكمركية واتباع سياسة ضريبية واضحة وصارمة
– ايقاف التعيين العشوائي وتشكيل مجلس الخدمة الاتحادي بأسرع وقت
– خفض سن التقاعد الاجباري ورفع الشروط عن التقاعد الاختياري مع دفع التوقيفات التقاعدية للمتقاعد الاختياري من راتبه التقاعدي لحين بلوغه سن ال 50 توقيفات 15 سنة حتى لو لم تصل خدمته او عمره لهذا الحد
– تشجيع القطاع الخاص من خلال دفع مستحقاته وتسهيل انشاء المصانع والمشاريع الزراعية وحماية المنتج المحلي.
– ثورة بمفهوم الاستثمار وفتح باب نحو الخصخصة والتخلص من الترهلات الاقتصادية من عاتق الدولة وفتح محافظ استثمارية خارجية.
– ادارة قروض البنك المركزي للمشاريع الصناعية والزراعية والعقارية بصورة تضمن استعمال الاموال لأغراض القروض وبالسرعة الممكنة.
– ايقاف بعض الاستيرادات وضبط ايقاع الاستيرادات الاخرى من حيث الكميات وتحديد منهاج استثماري والتراجع عن مفهوم اقتصاد السوق لمدة معينة
– ايقاف الهدر في البطاقة التموينية وتحويلها تدريجياً لشبكة الرعاية الاجتماعية واستيراد 25% من حاجة الشعب للمواد الاساسية من قبل الدولة لحفظ الاسعار ومنع التجارة من المضاربة بالأسعار.
– تسييل نقدي لأصول الدولة او تحويلها الى استثمارات بمشاركة مع القطاع الخاص واستثمار وارداتها لإقامة او انجاز مشاريع تنموية ضمن الخطة الاستثمارية في الوزارات.
– اكمال المشاريع المتوقفة خصوصاً ذات نسب الانجاز العالية كي لا تتعرض للاندثار اما عن طريق القروض او عرض الممكن منها للاستثمار او التشغيل المشترك مع القطاع الخاص.
– محاولة سحب الكتلة النقدية المتوفرة لدى المواطن عن طريق الشركات المساهمة ومشاريع استثمارية بمشاركة الدولة لمنح الثقة للمواطن بالمساهمة وكذلك من خلال رفع سعر الفائدة المصرفية.

*وزير سابق

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة