عبدالزهرة محمد الهنداوي*
لم يعد الحديث والتحليل والتفسير لما جرى في العراق في العاشر من حزيران 2014 حديثاً مجدياً .. انما الحديث الذي يجب ان يكون هو الى اين نحن ذاهبون ؟؟ .. وهو سؤال عريض وواسع ليس من السهولة ان نجيب عنه ما لم نتمكن من التقاط صورة من ارتفاع عال تظهر لنا المشهد بكامل تفاصيله .. ففي هذا المشهد الذي يبدو متداخلا لدرجة بات من الصعب على المؤدين ان يعرف كل منهم دوره الموكل اليه ! .. فثمة صوت في الكواليس يقول ان ما حدث في العراق في 10 حزيران لم يكن وليد يومه او ليلته , انما هو نتاج لمشروع قديم جديد اسمه الشرق الاوسط الجديد الذي تسعى الادارة الاميريكية بغض النظر عمن يجلس في البيت الابيض الى تحقيقه .. وواحد من اهداف هذا التغيير هو تحقيق المزيد من الامن لاسرائيل وهذا الامن لن يتحقق مالم يتم تذويب او انهاء محور المواجهة الصريحة لاسرائيل التي تتمثل بسوريا وحزب الله في لبنان مرورا بالعراق وبعمق استراتيجي اصبح موضع خوف وقلق لاميريكا والغرب وتل ابيب متمثلا بايران !! ..
ومشروع الشرق الاوسط الجديد هذا ربما بدأ رسميا منذ عام 1990 يوم غزا صدام الكويت بمباركة من واشنطن حيث ابلغته السفيرة كلاسبي ان بلادها لاشأن لها بغزو الكويت فهذا شان داخلي بين الدول العربية .. والحقيقة ان كلا الطرفين صدام وبوش الاب كانا يعرفان ان دخول الكويت لن يمر بسهولة .. فصدام لم يأكل الطعم كما يعتقد البعض انما نفذ مشروعا اميريكيا ! فقد تم فتح الابواب على مصاريعها امام الاساطيل والجيوش الاميريكية لان تدخل الى المياه الدافئة الغنية بالنفط بذرائع قانونية وبطلب رسمي من دول المنطقة وبهذا تمكنت واشنطن من انهاء الوجود السوفيتي عالميا بعد ان تحول الى دول متفرقة لتنفرد اميريكا وحدها بادارة شؤون العالم ! .. وتواصلت صفحات هذا المخطط الاميريكي بادوات اقليمية .. فنظام صدام كان من المفترض ان ينتهي في اذار 1991 ولكن سترة التنجاة التي اسقطتها له اميريكا انقذته من الهلاك من اجل اكمال المشهد حتى عام 2003 حين اجتاحت القوات الاميركية العراق لتبدأ صفحة جديدة من صفحات مشروع الشرق الاوسط الجديد في ظل ما اطلق عليه الفوضى الخلاقة التي بموجبها (استدعت) اميريكا عصابات القاعدة التي سبق لها وان اسستها في كابول لمواجهة المد الروسي الاحمر في ثمانينات القرن الماضي .. ومع نمو هذه العصابات وتكاثرها في العراق كانت الكثير من الانظمة العربية التي انتهت ادوارها قد بدأت تتهاوى تحت مسمى (الربيع العربي) من زين الدين بن علي الى معمر القذافي ثم حسني مبارك .. وبموجب هذه المتغيرات اصبح الامر اكثر يسرا مع بعض المنغصات المتمثلة بسوريا وايران وهنا لابد من بدء مرحلة جديدة اكثر تداخلا واقرب للحسم والبداية كانت من سوريا قبل ثلاث سنوات ولكن يبدو ان الدعم الروسي والايراني لبشار الاسد اخر او بعثر الاوراق ليتم جمعها من جديد ولكن في العراق هذه المرة بادوات خارجية اشتركت فيها تركيا الطامحة الى تحقيق بعض الانتصارات السياسية بعد افول نجمها العثماني ولم تعد قوة مؤثرة في المنطقة . والسعودية التي تريد ابعاد العراق عن السوق النفطية والتغطية على الغليان الذي تشهده ارض الحجاز , وقطر التي تريد ان تصبح دولة عظمى بديلة عن الاتحاد السوفيتي ولكن بجلباب اميريكي !! واسرائيل التي تريد ان تقضي على اي اثر للمقاومة لتتمدد على راحتها في المنطقة .. كل هذه الاطراف توحدت مصالحها في العراق بتأييد من بعض الاطراف المحلية وهذه هدفها تحقيق مكاسب من شأنها تغيير الخارطة الجيوسياسية للعراق .. فيعد سقوط الموصل بيد داعش بدأنا نسمع كلاماً جديداً يشير في مجمله الى ان لاعودة لعراق ماقبل 10 حزيران .. وتحول الغزو الداعشي المقيت الى (ثورة) !! وراح البعض يردد مصطلح (الاقليم السني) اسوة بـ(الاقليم الكردي) الذي وجد الفرصة سانحة ليتمدد على وفق ماكان مخططا له ويضم كركوك الغنية بالنفط الى حدوده بمباركة وتأييد اسرائيلي ! وسط دعوات الى تشكيل حكومة إنقاذ وطنية في بغداد ولا احد يعلم ما الذي ستنقذه هذه الحكومة بعد ضياع الموصل وكركوك بين داعش والاكراد !! مع سعي واضح لتمييع نتائج الانتخابات الاخيرة في اطار مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي هو اكبر من العراق بكثير .. لذلك فالامر بحاجة الى موقف كالذي وقفته المرجعية العليا في النجف الاشرف لنكون قادرين على احباط هذا المخطط الذي يرمي في ابسط اهدافه الى تقسيم العراق .. ودائما تبقى الامور مرهونة بخواتيمها !!
*الناطق الرسمي بأسم وزارة التخطيط