(سيكوتين) الكراسي

ماجد عبد الرحيم الجامعي

سمو , ومعالي , وجلالة , وسيد , والاستاذ الفاضل , وغيرها من مفردات التبجيل والتمجيد هي كلمات وعبارات اسبغها ( طويلو العمر ) على انفسهم ليحيطوها بهالة وبريق تزيغ لها عيون بسطاء القوم وساذجيه فيسعد القادة والحاكمون في حياة وعيشة رغيدة هم وعائلاتهم وحاشيتهم من الراقصين على ايقاعات التسلط الغاشم .. 

ولو تصفحنا تاريخ البشرية وتوغلنا في اعماقه لرأينا ظلم الانسان واستعباده لاخيه الانسان وما نجم عنها من فروق طبقية بين الحاكم والمحكومين في ظل مفاهيم التفويض الالهي والسلطة الابوية وعدم الاعتراف بالحقوق او الحماية القانونية وكانت الجماعة الانسانية تخضع لنظامين مختلفين يحكم كل منها علاقتها في نطاق معين , الاول هو نظام سلطة رئيس العشيرة في تنظيم العلاقات بين افراد الجماعة الواحدة والثاني هو نظام حكم القوة فيما يخص علاقات الجماعة الخارجية.. 

وفي العراق القديم كان العراقيون القدماء كما هو لدى الشعوب الاخرى يعتقدون ان لكل مدينة ( الها او الهة ) هو سيدها وحاميها ومصدر السلطات فيها وكان الحاكمون يدعون انهم لا يصدرون حكما الا تحقيقا لرغبات الالهة وصورة حمورابي وهو بين ايدي اله العدل ( شماس ) واضحة الدلالة على هذا الادعاء بل ان الجبروت تجلى في عنجهية فرعون مصر الذي وصف نفسه بكونه الرب الاعلى للمصريين ..

لقد تتألف حلقات الحاكمين عبر التاريخ في عصوره القديمة والوسيطة وحتى المعاصرة وبأشكال متعددة وبانت فضائل الكراسي على المتربعين عليها فانغمسوا بنعمة الامتيازات وتركوا الفقير لفقره والعبد لعبوديته الانسانية وكأن همهم ( علفهم ) وليذهب المواطن الاعتيادي الى الجحيم .. ولم نر من الحاكمين الا النفر القليل الذي انتبه لشعبه الذي هو مصدر السلطات .. ومن هؤلاء كان سرجون الاكدي الذي كان فقيرا ويعمل ساقيا عند الملك ( اورزبابا ) حاكم مدينة ( كيش ) ثم قام بثورة واستولى على السلطة ولم يكتف بهذا بل اغرته السلطة لان يشيد اولى الامبراطوريات الرافدينية من نوعها .

على كل حال .. فبالرغم من نظرة العقلاء الى كرسي الحكم بكونه لا يمكن له الا ان يكون ككرسي الحلاق ولا يدوم الملك الا لله لكنه فعلا التصق باعجاز المتنفذين ممن جلسوا عليه بارادة منهم او بارادة اخرين لا لشيء وانما لمزاياه واغراءاته المنوعة التي يسيل لها اللعاب ..

وعلى كل حال ايضا يبدو ان الكراسي قد تعبت من حمل ثقلاء الدم من الرؤساء والملوك والامراء والسلاطين وصارت تلفظهم الواحد تلو الاخر بعد ان شاخوا على مقاعدهم الوثيرة والشعوب ساخطة على افعالهم السمجة وكبتهم للحريات وانتهاكهم لحقوق المستضعفين لينتهي والى الابد الحكم الشمولي المستبد وتغلق قنوات الفساد الاداري والمالي وظلم الحكام للمحكومين وتنفتح افاق رحبة لبناء الانسان وتعمير البلاد ورسم السياسات الصالحة على وفق تطلعات وارادة الشعوب المحبة للسلام والوئام ..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة