لماذا أساء بل غيتس الفهم

 جيفري د. ساكس*

في استعراضه لكتاب نينا مونك العامر بالأخطاء والبيانات غير المحدثة، يهجر بِل جيتس على نحو غريب النهج الصارم، الذي يميز العمل القَيِّم الذي تقوم به مؤسسته، في التعامل مع القياس والتقييم. فهو ببساطة يقبل تأكيد مونك على أن مشروع قرى الألفية ــ وهو مشروع التنمية المستمر عبر أكثر من عشرين بلداً أفريقيا ــ قد فشل. فالحق أن المشروع مزدهر.

الواقع أن هذه السذاجة محيرة. فكتاب مونك لا يغطي سوى جزء ضئيل للغاية من النصف الأول من مشروع يمتد عشر سنوات، وقريتين فقط من أصل 12 قرية. وهي لم «تُقِم لفترات مطولة في قرى الألفية». فقد أنفقت مونك في المتوسط ستة أيام في السنة ــ نحو 36 يوماً على مدى ست سنوات ــ في زيارة القرى، وعادة لمدد تتراوح بين يومين إلى ثلاثة أيام. وعلاوة على ذلك، تناولت مونك القصة باعتبارها مراسلة لمجلة فانيتي فير بلا أي تدريب أو خبرة في الصحة العامة أو الهندسة الزراعية أو الاقتصاد أو التنمية الأفريقية.

والأسوأ من ذلك أن ملاحظات مونك تبدو في كثير من الأحيان شديدة المبالغة، على أقل تقدير، لجعل سردها مؤثرا. فهل يعتقد بل جيتس حقاً أنني دعمت زراعة محاصيل معينة دون أن أشغل نفسي بالتعرف على ما إذا كان تسويقها ممكنا، أو أنني لم أضع النظام الضريبي الوطني في الحسبان في تقديمي للمشورة المستمرة لقادة الحكومات؟ علاوة على ذلك، فإن الاستراتيجيات والاختيارات الزراعية في مشروع قرى الألفية كانت تحت قيادة خبراء زراعيين أفارقة، وهم من بين الأفضل في أفريقيا ــ وفي كثير من الأحيان يعملون جنباً إلى جنب مع هيئة الموظفين القائمين على المشاريع الزراعية التابعين لمؤسسة بل جيتس في التحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا.

وأظن أن بِل سوف يسعده أن يعلم أن مشروع قرى الألفية سوف يخضع لتقييم لائق وبشكل مهني في العام المقبل ــ في الوقت المحدد لإتمامه (وبالتزامن مع نهاية العمل بالأهداف الإنمائية للألفية في عام 2015). وسوف يستند التقييم إلى بيانات ضخمة للغاية تم جمعها على مدى العقد الماضي، وإلى بيانات مسح موسعة جديدة سوف يتم جمعها في عام 2015. فضلاً عن ذلك، سوف يتضمن التقييم مقارنات مع مناطق محيطة بقرى الألفية. والواقع أنني آمل أن تساعد مؤسسة بِل وميليندا جيتس في تنفيذ أعمال المسح المفصلة التي تخضع لإشراف مستقل واللازمة لإجراء التقييم الكامل لهذا المشروع المعقد.

واسمحوا لي أن أقدم المزيد من الأنباء السارة، استناداً إلى البيانات التفصيلية حول تقديم خدمات الصحة المجتمعية، ومعدلات المرض، والوفيات، والتي يجمعها مشروع قرى الألفية كل شهر. فقد انخفضت معدلات الوفيات بشكل حاد في قرى الألفية. والواقع أن الأدلة الحالية، التي من المقرر أن تخضع للفحص بمزيد من التفصيل في العام المقبل، تشير إلى أن الهدف الجريء المتمثل في خفض معدل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة إلى أقل من 30 وفاة لكل ألف ولادة قد تحقق بالفعل أو بات في المتناول بحلول عام 2015، وبتكاليف منخفضة للغاية تحملها النظام الصحي.

مؤخرا، قام أحد كبار موظفي مؤسسة جيتس بزيارة موقع قرى الألفية في شمال نيجيريا. وفي وقت لاحق، أكَّد لي شخصياً أنه وأعضاء فريقه تأثروا بشدة إزاء ما رأوه من أداء النظام الصحي في قرى الألفية.

لذا، اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة لأكرر التحدي الذي طرحته على بل جيتس. فبوسعه أن يختار أي منطقة من المناطق الريفية في أفريقيا، وسوف يعمل فريقنا مع المجتمعات المحلية، بالاستعانة بنهج قرى الألفية في التعامل مع الصحة، على خفض معدل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة إلى أقل من 30 لكل ألف ــ وهو المعدل السائد في العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط ــ بتكاليف سنوية لقطاع الصحة لا تزيد عن 60 دولاراً للشخص الواحد. وسوف نفعل هذا في غضون خمس سنوات أو أقل. وفي اعتقادي أن هذا النجاح سوف يساعد بل وغيره في إدراك القيمة غير العادية للاستثمار في الأنظمة الصحية الريفية المنخفضة التكاليف والتي تتبع مبادئ التصميم التي وضعها مشروع قرى الألفية.

أخيرا، ونظراً للمخاوف التي تزعج بل جيتس بشأن استدامة مشروع قرى الألفية وقابليته للتأقلم والنمو، فمن الأهمية بمكان أن نعلم أن الحكومات المضيفة تؤيد هذا النهج بقوة. فقد شاهد زعماء هذه الحكومات قرى الألفية وهي تنمو وتتقدم يوماً بيوم على مدى عقد من الزمان تقريبا. وهم يكرسون أموالهم وسياساتهم لدعم التنفيذ الموسع للمفاهيم التوجيهية لمشروع قرى الألفية.

على سبيل المثال، استخدمت نيجيريا مفاهيم مشروع قرى الألفية لتسليم الخدمات الصحية والتعليمية على النطاق الوطني في جميع مناطق الحكم المحلي في البلاد والتي يبلغ عددها 774 منطقة. كما حصلت الحكومات في مختلف أنحاء المنطقة على أكثر من 100 مليون دولار في هيئة تمويل من البنك الإسلامي للتنمية لتوسيع نطاق مفاهيم مشروع قرى الألفية. والآن تبدأ نحو 12 دولة في الاتصال، أو تواصلت بالفعل، مع مشروع قرى الألفية لمساعدتها في تنفيذ قرى الألفية لديها. كما قامت شبكة القيادات الشبابية لعموم أفريقيا مؤخراً بزيارة قرية الألفية في السنغال، وطلبت الدعم من مشروع قرى الألفية لتوسيع نطاق تطبيق أساليب مشروع قرى الألفية واستراتيجياته في بلدانهم ومناطقهم الأصلية.

الواقع أن انتشار نهج قرى الألفية على هذا النحو في مختلف أنحاء أفريقيا يدل على أن الزعماء السياسيين والمجتمعيين الأفارقة يرون أن الأساليب والاستراتيجيات والأنظمة التي يستعين بها مشروع قرى الألفية مفيدة للغاية في مكافحة الفقر في المناطق الريفية في أفريقيا. والحق أن كتاب مونك يعتمد على بيانات غير محدثة ويخفق في إصابة الهدف الصحيح. وأنا أدعو بل جيتس لزيارة واحد أو أكثر من مواقع قرى الألفية في رحلة قادمة إلى أفريقيا لكي يرى بأم عينيه لماذا يشكل هذا النهج كل هذه الأهمية العملية في مختلف أنحاء القارة.

* أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ سياسات الصحة والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأهداف الإنمائية للألفية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة