عامرالقيسي
من فوائد الازمات انها تسقط الاقنعة عن السياسيين والمثقفين والاعلاميين دفعة واحدة ، وهو كشف “متآمر” مع مواقع التواصل الاجتماعي ، التي قررت وداعها حتى اشعار آخر، لانها تحولت الى تواصل للافكار الطائفية وليس تواصلا اجتماعيا ، لعب دورا مهما في اندلاع الربيع العربي الذي اسقط عتاة الدكتاتوريات في منطقتنا المنكوبة بهم منذ عقود من الزمان ،قبل ان تخطفه بنادق الارهاب والارهابيين ، ومازال هذا “الربيع” يئن من سطوتهم !
ازمتنا الحالية التي اندلعت على آخرها بسقوط مدن كاملة بيد “الدواعش” والبنادق المختلطة من “ثوار العشائرالى النقشبندية مرورا بالبعث الصدامي”، هذه الازمة اسقطت الكثير من الاقنعة ، ان لم تكن جميعها، عن الوجوه والاصوات التي طالما اتخمتنا بالخطاب الوطني والليبرالي والهوية الوطنية ..
اقنعة سقطت متهاوية عند اقدام الفكر الطائفي بشقيه ، بل بشقوقه المتنوعة، وكشفت عن هزالة خطابات “التنوير” و “الليبرالية” و” الديمقراطية الحديثة” و”عبور الهويات الطائفية والقومية” الى “فضاء” الهوية العامة الشاملة والحاوية للجميع !
انفتح ، الى حد ما، الجميع على مستنقع الانحيازات الطائفية والقومية ، بالضد من الآخر ، الذي انفتح هو ايضا على المستنقع نفسه ، فغرق فيه الجميع في لحظة اعتقدوا انهم في سفينة النجاة من انفتاحات الازمة وتطوراتها وخياراتها القاسية !
ربما نمنح بعض “الحق” للسباسيين سقوطهم المدوي ، لانه دائرة اشتغالهم منذ التغيير في 2003، وهي دائرة مصالحهم وكراسيهم واصوات ناخبيهم ومريديهم ومشروعهم المقيت للعراق والعراقيين ، ولم نكن نحتاج لازمة بهذا الحجم كي نكشف سياسيينا، فالاقنعة كانت تتساقط عنهم وعن خطاباتهم ، بازمات اقل من الازمة الحالية يكثير !!
ولكن اي حق نعطيه لمثقفين واعلاميين وادباء ، لم يكونوا من حملة شعار الهوية العابرة فقط، وانما كانوا منظّرين من الطراز الاول ، عن اخطار الفكر الطائفي واهمية بديله العابر المتمثل بالهوية الوطنية العراقية ..
لقد اختلطت على هؤلاء الوان الصراع الدائر في البلاد وتداخلت الالوان، فاتخموا موقع التواصل الاجتماعي بالشتائم الهابطة واستدرجوا التأريخ الى الحاضرليضيعوا المستقبل ، بل والحاضر معا، ليصورا من طرف خفي ان الصراع له شكل طائفي ، سنيا شيعيا، وقوميا ، عربيا كرديا ، غامطين جوهر الصراع القائم على مستقبل العراق السياسي والاجتماعي ، ليتحول الموقع من مساحة وفضاء لتبادل الاراء وتمازجها وتواصلها الحضاري، الى موقع للتخندق الطائفي والقومي وتوجيه اتهامات التخوين وتوزيع هويات الوطنية واللاوطنية، وهو مشهد قائم على خلفيتين، الاولى هي انكشاف هشاشة فكر وثقافة هذه النخبة الخادعة والثانية هي الخطاب السياسي المتدني المستوى الذي يروجه سياسيون من الدرجة العاشرة برغم انهم يتصدون للسياسة من مواقعها الاولى ، فيا للمفارقة !
سقطت الاقنعة ، لكن العراق لم يسقط ، وان كان على حافة الهاوية، فقد خضنا في مستنقعات كثيرة ونفضنا انفسنا منها، وان كان المستنقع الحالي الاعمق والاقذر والاكثر امكانية على تفتيت البلاد ، لكن الحقيقة التي خبرناها من التأريخ، انه عادة ما تسقط الاقنعة ويبقى العراق عصيا على السقوط !