فوزي عبد الرحيم السعداوي
-3-
لم تؤثر محاولة اغتيال قاسم على نظرته للشيوعيين وعلاقته بهم بل يروى ان محمد حديد وفي وقت مبكر طلب من قاسم ان لا تشمل الحملة الأمنية ضد المساهمين في عملية الاغتيال التنظيم والاتجاه السياسي الذي ينتمون إليه وان قاسم وافق على ذلك كيف يمكن ان نفهم ذلك بغير ان قاسم لا يرغب باختفاء هذا الاتجاه ويرى فائدة من وجوده في حين ان أجهزته الأمنية تلاحق الشيوعيين لمجرد انهم كذلك.
استمرت الملاحقات ونشطت المجالس العرفية وبموازاة ذلك نظمت السلطة انتخابات للاتحادات والنقابات هدفها طرد الشيوعيين منها وتقوية الاتجاه القومي وسط فرح وحبور الأعلام الحكومي، وقد استمرت هذه الممارسات حتى اليوم الأخير للنظام، ولم يكتف النظام بذلك بل ذهب بعيدا فيما ظنه لعبة توازن بين الشيوعيين العزل من ناحية وبين القوى القومية والبعث والرجعيين الذين يحتلون مواقع مهمة في الدولة مع دعم من الأجهزة الأمنية، فقام في ربع الساعة الأخير بإعادة بعض الضباط من التوجه القومي إلى الخدمة وفي مواقع حساسة كان لها لاحقا دور مهم في نجاح انقلاب 8 شباط مثال ذلك، إعادة الضابط الطيار عارف عبد الرزاق إلى الخدمة وكذلك الضابط الطيار حردان التكريتي.
يستدعي قاسم الضابط درع خالد مكي الهاشمي آمر كتيبة الدبابات الرابعة في أبو غريب بعد ورود معلومات عن تحركات مشبوهة في كتيبة الدبابات حيث وبلهجة ودية يقول قاسم للهاشمي لقد سمعت ان أمك مريضة فرغبت بالاطمئنان عليها ثم يحذره من ان يلعب أحد بعقله، قارن بين سلوك قاسم مع الضباط الذين أتهموا في تموز 1959 وهم بخلفيات يسارية لكنهم ليسوا شيوعيين وبين سلوك قاسم مع الهاشمي الذي لعب لاحقا دورا مهما في محاصرة وزارة الدفاع صبيحة انقلاب 8 شباط، (تشير بعض المصادر أن الهاشمي انهار أثناء لقاءه بقاسم فادلى باعترافات كاملة أدت لاعتقال ضباط كثيرين وكان من تداعياتها اعتقال علي صالح السعدي أمين سر القطر وصالح مهدي عماش ما حدا بقيادة الحزب للتبكير بموعد الانقلاب في خطوة تكتيكية بارعة..) وهذه المعلومات برغم تواتر مصادرها فإني لا أتبناها فدبابات الكتيبة الرابعة طوقت الدفاع كما هو مخطط.
في 8 شباط 1963 قصفت طائرات الانقلابيين مقر قاسم في وزارة الدفاع وقد لعب الضابطان اللذان أعيدا للخدمة دورا مهما في ذلك، وكان قاسم واثقا من نفسه فقرر الذهاب إلى وزارة الدفاع مرتكبا خطا قاتلا وبعد ان تراجع وضع قاسم وتحقيق الانقلابيين لنجاحات هامة، اتصل قاسم بالعقيد فاضل عباس حلمي آمر أحد الألوية المرابطة في بغداد للتأكد من جاهزيته وهو ما أكده العقيد لكن عندما احتاج قاسم فعلا لتحرك اللواء بعد حراجة وضعه الميداني.
وهنا يقول العقيد حلمي ان قاسم اتصل به مرة ثانية فما كان منه إلا أن يسحب فيشة التلفون مبررا ذلك ان الصراع في مراحله الأخيرة أصبح بين البعثيين والشيوعيين وتدخلي كان سيدعم الشيوعيين وأنا أعاديهم.
في اللحظات الأخيرة من عمر عبد الكريم قاسم وبعد ان بانت ملامح الهزيمة يفقد وصفي طاهر توازنه فيمسك بخناق الزعيم قاسم شاتما اياه صارخا، تخاف مني فأبقيتني يمك .. لو عندى 100 جندي هل كنت أتركك تعاني من هذا الذل!!! نقل ذلك الصحفي المقرب من قاسم وصاحب جريدة الثورة الذي كان يقوم بدور الوسيط بين قاسم والانقلابيين يونس الطائي.
ان الزعيم قاسم عسكري محافظ لم يعرف عنه أي ميل لليسار وهو في تفكيره لا يختلف عن أي ضابط في الجيش العراقي في كثير من الأمور وهو على الرغم من تعاطفه مع الفقراء إلا ان رأيه في كيفية إنقاذهم بعيد جدا عن الحلول اليسارية إذ يرى ضرورة أن لا يكون رفع مستوى الفقراء على حساب الأغنياء، كان متاثرا بشخصية وأفكار الجادرجي وعندما حدثت الثورة فضل أفكار محمد حديد الأكثر انسجاما معه
علاقته الطويلة بعبد السلام عارف قبل الثورة مع ما عرف عنه من أفكار متخلفة يعبر عنها بصوت عالي تثير التساؤلات عن وجود مشتركات فكرية.
ولو ان قاسم كان يحمل أي توجه يساري لكان عرف كما عرف ذلك عن محي الدين عبد الحميد الذي كان رئيس تنظيم الضباط الأحرار قبل ان يصرخ عارف ماكو زعيم الا كريم… كان قاسم يكره سلام عادل النسخة المشرقة للشيوعي وقد عبر عن ذلك لبعض القادة الشيوعيين في حين كان عامر عبد الله زائرا دائميا له.
من مظاهر تطيره من الشيوعيين خشونته مع انستاس ميكويان نائب الزعيم السوفياتي أثناء زيارته إلى بغداد، كذلك ردة فعله يوم 8 شباط على مكالمة السفير السوفياتي التي عرض فيها ترتيب إنزال عسكري لدعم نظامه بالقول لا نريد أن نبدل استعمارا باستعمار وهو موقف لا يحمل في طياته أي فكرة ايجابية عن الشيوعيين خصوصا وأن ذلك تم أثناء قصف البعثيين لوزارة الدفاع (المصدر لقاء صحفي مع حافظ علوان مرافق قاسم).
ان احساس قاسم بعد كل ذلك بان مصدر الخطر على نظامه هم الشيوعيون ان هو تعبير عن وسواس عقائدي بعيد عن المنطق السياسي وأي منطق وهو ماكان يحرك قاسم طيلة فترة حكمه عندما يتعلق الأمر بالشيوعيبن.