عماد فؤاد
لم أحاولْ أبدًا فهمَ السِّحرِ الغريبِ الذي تمثِّلُه لي
الأشياءُ المفقودةْ ما إنْ يضيعَ منِّي شيءٌ
حتى يأخذَ بُعْدًا أسطوريًّا غامضًا ومُريبًا
لذلكَ – مثلًا –
كنتُ أعجزُ عن قولِ شيءٍ ذي قيمةٍ
في اللحظاتِ المصيريَّة لم أستطعْ قولَ أيَّ شيءٍ
كي أُقنعَ الشَّابةَ التي اعتلتْ حاجزَ الجسرِ للتوِّ
بأنَّ الانتحارَ ليسَ هو الحلُّ
لم أعرفْ كيفَ أمنعُ نظرتي
من فضحِ نفسها أمام مُصوِّرٍ يُريني لقطتَهُ المفضَّلةْ:
رَصاصةٌ تلمعُ قبلَ أن تستقرَّ في صدرِ الضَّحيَّةْ
وقفتُ طويلًا حائرًا وأنا أسألُ نفسي:
كيف أُفهمَ هذا الصَّبيَّ المولودَ في خيمةٍ
بأنَّ الأرضَ ضيِّقةٌ فعلًا ولا تتَّسعُ لبيتٍ يأويْه؟
قُضبانُ نوافذِ السِّجنِ نفسُها
أشعرتْني بالهزيمة كاملةً
حينَ لم أعرفْ كيفَ أجعلُها تصدِّقُ
بأنَّ المساجينَ لم يكرهوها يومًا لذاتِها
بل لأنَّها تصنعُ في النَّهارِ خطوطًا طويلةً
فوقَ بلاطِ الزَّنازينْ
عرفتُ حينَها أنَّ الكلمةَ فقيرةٌ
ولا تملكُ شيئًا تمنحُهُ للنَّاسِ
ماذا تستطيعُ الكلمةُ أن تفعلَ
كي تجعلَ هذه البنتَ الصَّغيرةَ تُصدِّقُ
أنَّ لها أبًا لكنَّهُ ماتَ قبلَ أن تُولدْ؟
وماذا بوسعِنا أن نفعلَ
أمامَ رسالةٍ منسيَّةٍ كتبها يومًا محبٌّ
ولم تصلْ وجهتَهَا أبدًا؟
لن نستطيعَ أن نمنعَ هذا الرَّجلَ
من ضربِ زوجتِهِ كلَّ مساءٍ
وإفهامِهِ بأنْ لا ذنبَ لها
في عدم عثورِهِ على عملٍ
حتّى اليومْ أو أخبرني أنتَ..
ماذا بوسعكَ أن تفعلَ أمامَ جهازِ عُرسٍ
حُكمَ عليه بالبقاءِ محفوظًا في الصَّناديقِ إلى الأبدْ
خوفًا من رُطوبةِ الجدارْ؟
ماذا بوسعكَ أن تفعلَ
كي تُسكتَ أنينَ الطِّفلِ
الذي يبكي في سريره كلّ ليلةٍ
لأنَّ أسنانَه اللبنيَّةَ تشقُّ لحمَ اللَّثةِ كي تَظْهَرْ؟
ليسَ في استطاعتِنا أن نفعلَ أيَّ شيءْ
أمامَ صورةٍ أخيرةٍ لشابَّةٍ تبتسمُ لحبيبِها
قبلَ أنْ يجْرفَها القطارُ الذي يظهرُ
في خلفيَّةِ الصُّورةْ
ولن نقدرَ على منعِ هذا الجنديِّ
من الوصولِ إلى بيتِ زميلِه في الثُّكنةْ
كي يُخبرَ أمَّهُ أنَّ ابنَها ماتَ
برصاصةٍ في الرَّأسْ
وسنقفُ عاجزينَ أمامَ دَفْترِ شِعْرٍ أكَلتْهُ الفئرانُ
داخلَ بيتٍ مهجورْ بالضَّبطِ
كما نقفُ الآنَ أمامَ هذا اليتيمِ
الذي تشرَّدَ في الشَّوارعْ
وحين يجوعُ يجلسُ جلسَتَهُ هذهِ
أمامَ أيِّ مَطعْمٍ ناظرًا إلى النَّاسِ كي يشبعْ