كه يلان مُحمَد
رافق السؤالُ عن مصادر الإبداع والدافع وراء الكتابة والمناخ الضروري لنضوج الرؤية في عملية تحويل الفكرة إلى نواة أساسية في بناء الأعمال الأدبية والروائع الفنية تتبعَ الباحثين عن سر حيازة بعضُ المنجزات الأدبية للإعجاب دونَ أن ينالَ منها الزمنُ أو تُندَرسَ نتيجة الفرق بين مذاق الأجيال.وكان للمبدعين رأيهم حول هذا الموضوع فمُعظمهم قد أكدوا على دور المُثابرة إلى جانب الموهبة يقول دوستويفسكي في رسالته لتولستوي «أنا أعمل جاهداً ليل ونهار لأنتهي من (الأخوة كارامازوف)» هذا فضلاً عن أهمية وجود بيئة ملائمة وإكتساب المناعة ضد كثير من الشكليات الإجتماعية وما يؤدي إلى إزدياد السخام على الفكر.يبحثُ الكاتب البريطاني هنري جيمس في روايته الموسومة ب(درسُ المُعلم) الصادرة من- مسيكلياني 2019-مايتطلبُه الفعلُ الإبداعي ومايتخيلهُ المعجبون عن كُتابهم المُفضلين بناءً على مُتابعة إصداراتهم كما يظهرُ المفاجأة الناجمة من عدم ملاءمة بين الواقع والصورة القائمة في المُتخيل.وذلك لايصحُ تفسيرهُ على ضوء مفهوم الإزدواجية بقدر مايجبُ وضعه ضمن خطأ عدم الفصل بين المبدع وإنتاجه الأدبي أو مشروعه الفكري.
رواية الأفكار
ليست شخصية الكاتب إمتداداً لما نجدهُ في مؤلفاته والأفكار المثالية المُنبسطة على صفحاتها.وماهو مثيرُ في هذه الرواية هو الرأي الذي يُمثلهُ هنري سانت جورج فحسب تصور الأخير أنَّ المرأة والإبداع نقيضان لايجتمعان.وقد يفهمُ مما يذكرهُ للكاتب الواعد بول أوفرت بأنَّه دفع بالأُنثى خارج الحقل الإبداعي مايعني وجود سيادة للعقلية الذكورية.عندما يخبرُ الكاتب الشاب مُعَلِمه بأنَّ إبنة الجنرال ماريان شغوف بالقراءة ومهتمة بالإبداع يؤكدُ مؤلف رواية (شادومير) بأنَّ حبها للأطفال أكبر حين تنجبُ حيث تريد توفير حياة مريحة لأبنائها وهذا ليس من شأن إهتمامات الفنان.طبعا مايفصح عنه الروائي الشهير خلال حواره مع تلميذه يستدعي إلى الذهن ماتابعه المتلقي مُسبقاً عن العلاقة الكائنة بين سانت جورج وزوجته فالأخيرة تبدو في صورة إمرأة مُتسلطة إذ يتنامى إلى مسمع الكاتب الشاب في الحفلة بأنَّ الأخيرة أحرقت أحد أعمال زوجها لأنه غير مُناسب حسب إدعائها.وهذا مايشدُ إنتباه بول أوفرت متسائِلاً عن قيمة الرواية المُحروقة.وما أضافته إلى رصيد صاحبها لو كانت في مُتناول القُراءِ.وبما أنَّ هذا العمل ينزلُ في قائمة روايات الأفكار لذلك فإنَّ الشخصيات خصوصا الإساسية منها تجسيدُ لمواقف معينة.وبالطبع فإنَّ آراءسانت جورج ومواقفه الغريبة تأخذ مساحة واسعة في الرواية.كما أنَّ قلق الروائي الشاب وإنشطاره بين المجال الإبداعي وحبه لماريان العائدة من الهند وهي يتمة الأم تُكملُ طرح هنري جميس المحبوك بصيغة الرواية عن مغامرة الإنخراط في العملية الإبداعية.كما أن زوجة الروائي تكشفُ عن الصورة النمطية للمرأة. أما ماريان فهي تنعقدُ عليها أحداث الرواية مع أنَّ دورها يظهرُ ثانوياً في البداية.إذ تصبحُ إبنة الجنرال حلقة الوصل بين أديبين كل واحد منهما يُمَثِلُ جيلاً.
مسرحة الرواية
تتخذُ بنية الرواية قالباً مسرحياً إذ يأتي الإستهلال بوصف المكان والإشارة إلى المشهد المحيط بالموقع الذي ينفتحُ على وقائع القصة.يُذكر أن الحركة الأساسية في العمل مرتبطةُ بتقنية الحوار.ويتمُ تجسير الفجوة بين الشخصيات عبر الكلام المُتبادل ومن الملاحظ أنَّ محور الحديث هو سانت جورج حتى قبل أن يظهرَ على المسرح.ويتبين من سياق الكلام أنَّ إبنة الجنرال مغرمة بالكاتب وتوحي تعليقات السيدة سانت جورج بماتعلم من تعلق ماريان بزوجها الكهل كما تستشفُ من كلامها نظرتها المادية إلى الإبداع بإعتباره مصدراً يدرُ الأموال لذلك تنعتُ الكاتب بأنَّه ميال إلى الكسل مؤخراً.أمرُ يثير إستغراب الكاتب الشاب الذي لايستسيغُ عبارات السيدة سانت جورج بحق مُعلمه،ومايزيدُ الأمر تعقيداً بالنسبة إلى أوفرت أن تجربته في البلدان الأخرى قد رسخت لديه الإنطباع بضرورة وجود التطابق الكامل بين نوع المهنة والسلوك الشخصي.ومن المُفترض برأي الكاتب الشاب أن يكونَ الفنان والشابُ مُبيناً من قسمات وجهه وملبسه.لكن مايراه في إنكلترا يخالف هذا التقليد.مع مضي السرد وتوالي الأحداث تنسحبُ الشخصيات من الواجهة ماعدا الشاب ومُعلمه ويعصرُ صاحب (الأموات) فكرة ورايته في المقاطع الحوارية المُتبادلة بين الشاب ومُعلمه يشارُ إلى أنًّ البنية المكانية في هذا المعمل مشحونةُ بإيحاءاتٍ ثقافية فيكونُ اللقاء الأخر بين يول وإبنة الجنرال في صالة لعرض الأعمال الفنية قبل ذلك يجمعه لقاءُ بالمَُعَلِم ويتناولُ الإثنانُ موضوع الأدب كما يعبرُ الكاتبُ الشابُ عن إعجابه الشديد ب(ماريان) واصفاً إياها بكائن نادر الوجود أكثر من ذلك فهي تتمتعُ بالبراءة إذ يخبرُ الكاتب الكهل صديقه الجديد بأن معرفته بكتابه جاءت عن طريق إبنة الجنرال. ويلمحُ إلى عدم وجود أي علاقة غرامية بينهما.
غرائبية ساخرة
يزدادُ بول تعلقاً بماريان لكن يباغتهُ المعلمُ بمقته من الحياة الأُسرية ونصيحة له بالإنعزال لأنَّ زواج الفنان يقللُ حظه.كما يعتبرُ هنري سانت جورج نفسه آلة للإسترزاق أخيراً يقتنعُ الفنانُ الشاب بما يسمعهُ من المُعلم فالأخيرُ بدوره يعولُ على موهبة بول وشغفه بأنْ يعيشَ الحياة بأفضل صورة.ويُجربُ حظهُ في الإبداع.إذاً يغادرُ بول إنكلترا ويستقرُ في سويسرا مكرساً أيامه لإنجاز مشروعه ومن هناك يراسل ماريان فيتلقى منها نبأ وفاة السيدة سانت جورج كما أن الرسالة التي تصله من المُعلم عبارة عن رثاء للراحلة وكلماته تُناقضُ ماقاله في سمر سوفت.بعد عامين يعود الكاتب الشاب إلى لندن حاملاً رواية أفضل من جنستريلا لكن يصعقُ مما يسمعهُ من والد ماريان بأنَّ إبنته تزوجت بهنري سانت جورج والأغرب في هذا المفصل هو قولُ المُعلمُ بأنَّه أراد بذلك العمل إنقاذ الكاتب الشاب والمساهمة في تكوينه.مايجدر بالذكر أنَّ ملمح الغرائبية الساخرة واضح في أسلوب الرواية كما أن النهاية مفتوحة لعدة تأويلات.