احمد جبار غرب
بعد انتهاء فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب لابد من وقفة، لبغداد وثقافتها، وأنت تدخل باحة المعرض، تأخذك الدهشة من المارة القادمين والمغادرين وهم يحملون اكياساً محملة بالكتب منظر يسر الناظر فعلا، بغداد منذ الازل كانت منارا للمعرفة والثقافة وفي احلك الظروف كان الكتاب هو خير جليس، ومنذ ان تأسست في بغداد دار الحكمة او بيت الحكمة في عصر المأمون، الذي اهتم بالعلم والعلماء حتى غدت بغداد موئلا للمعرفة والعلوم ومصدر اشعاع حضاري لكل بلاد العالم التي كانت تعيش حالة من الاستغراق في الظلام في ظل العهود الكنسية واحتقار العلماء، ولا غرابة في ذلك ابداً فالإنسان العراقي هو ابن النبوغ والموهبة والابداع، ويكفي انه ألهم البشرية جمعاء باكتشافه للكتابة المسمارية وهي من اولى الكتابات التي اكدها ابو التأريخ هوميروس والإنسان العراقي هو ذلك العالم المبتكر والمكتشف ولديه القدرات والطاقات الخلاقة ومازالت كتب علمائنا تدرس في جامعات العالم ايمانا منهم بأهميتها ورصانة قيمتها العلمية والبحثية وفي مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها عراقنا العظيم نحن احوج ما نكون الى التنوير والتثقيف لعموم الشعب المبتلى بمصائب كبرى ويكون الوعي احد علاجاتها بفرض الرؤى والقناعات المنطقية التي تتلاءم مع النقد العقلاني السليم وولوج عالم التمدن والرفاهية وبعد ان امتدت عقارب الفساد والجهل والافكار السود من التوغل الى محيطنا ،نتوسم بالثقافة بشتى صنوفها ان تسمو بالانسان العراقي الى مرحلة النضج الكامل والوعي بمسؤولية اتجاه شعبه ووطنه ولامجال للاصوات النكرة التي تحرم المعرفة والذائقة الحسية للانسان ،فهذا زمان ولى ولن يرجع علينا بلبوسات جديدة ولاغراض سياسية بحتة كما يحاول البعض المنغلق بافكاره وخزعبلاته الرثة بل يستميت من اجل عدم بث الموسيقى والاستماع اليها وايضاً عدم تناول الكتب (الهدامة والتي تثير المفسدة والفسق )حسب منطق الجهلة والمتخلفين ،ولأن الابداع والمنجز الخلاق هو من صنعنا فما برحت رواياتنا وقصصنا تنال الجوائز في المحافل المحلية و العربية والعالمية وهذا دليل على ان ثقافتنا بخير برغم قلة الدعم والاهتمام سياسياً …كم آسرني منظر شابة جميلة وهي تتأبط كتبا وتمشي بدلع وفرح وانتشاء خارجة من المعرض بعد ان نالت صيدها الثمين من الكتب الزاخرة بالمعرفة والتنوع الفكري لتغوص في اعماقها لتكتشف معالم وصوراً كانت تجهلها ،ذلك هو ما نريده ونصر على ان تكون الثقافة والكتاب احد اركانها جزءا من غذائنا الروحي والتنويري وحتى لا تسرق حياتنا من ذوي الافكار الهرمة التي اعتادت التحريض والتشويه ضد كل ما هو متحضر ومتجدد، علينا بالمزيد من هذه المعارض التي تشكل دالة كبيرة في عمق مجدنا الحضاري ولابد لي ختاماً ان اشكر واثمن هذه الخطوة المباركة والقائمين عليها وكل الجهات المسؤولة عن هذا المعرض والتي تسهم بنشر ثقافة القراءة والاستزادة العلمية وتحصين الفرد العراقي من اللوثة الفكرية لاسيما ان هذا العام يشكل انعطافة كبيرة في عدد المشاركات لدور النشر العربية والعراقية وكذلك الاتحادات والمنظمات الادبية والثقافية والى مزيد من المعرفة والثقافة في كل بلادنا ففي القراءة يكمن غذاؤنا الروحي ويكمن انتصارنا على الجهالة والتخلف والظلامية .