علي جازو
استأجر البيت منذ سنة تقريبًا. هو يعمل موزع كتب لدى دار نشر متواضعة، لا يستغرق وصوله إليها مشيًا سوى ربع ساعة، والدار التي استأجرها كبيرة لكن باردة. أحيانًا يكتب قصائد طويلة غاضبة، ثم يندم حينما يقرأها لأصدقائه، إذ إنه يعتقد أن الغضب حالة عقلية غير سليمة أبدًا مثله مثل الحقد والكراهية، حتى إن دفعت القسوة الناس إلى الكذب وتبادل الأنانية الوضيعة. ومع ذلك بقي عدم الاطمئنان يحرق أيامه. وليس العمل الصعب والرتيب ذو المدخول القليل سببًا كافيًا لنظن أن عدم انسجامه أو فقدانه التدريجي للتمتع أثناء القيام بجولات تكاد تكون لانهائية، هي التي تعكر راحة باله، فالشاب الطويل القامة، يعاني من نقص شبه دائم في وقود التدفئة، فيضطر للبقاء في فراشه، ويُضاف إلى البرد، خشيته من كثرة الاختلاط وتردده المريب في غايات الناس، كما أنه لا يطيق الشوارع ممتلئة بهم غادين رائحين كما لو أنهم مجبرون على هكذا تحرك رتيب كل يوم. وهو يفضل داخل المنزل البقاء قرب نافذة المطبخ، أو في غرفة النوم، ذلك أن ضوء الشمس لا ينتشر في كامل المنزل، بل يأخذ جزءًا من الغرفة والمطبخ، ويحدث ذلك قبيل فترة الظهيرة إلى اكتمال غروب الشمس.
صباح اليوم، مد أصابعه أمام عينيه، تحت دفء شمس الظهيرة، وظل ينظر إليها فترة طويلة. تذكر قرية أبيه البعيدة، وكيف هم الآن مشغولون بتمديد أنابيب المياه لسقاية الأرض. شتاء هذه السنة جاف، ولربما إذا استمر انحباس المطر شهرين تاليين، تحل كارثة جديدة بأهله، فهم سبق أن استدانوا مبالغ كبيرة من البنك الزراعي الذي لا ترحم قوانينه تردي حال المزارعين.