فلول وبرابرة الحقبة الزيتونية وقناع «داعش»

كفاح هادي *

كان اول اعلان لتشكيل حزبي بعثي بعد حقبة الخلاص والتحرير التي تندرج ضمن مآلات التاسع من نيسان 2003 هو حزب « العودة « الذي اعلن تأسيسه فلول نظام صدام حسين، ومنذ ذلك الوقت وايتام صدام يبشرون اتباعهم بان العراق دخل في دهاليز المجهول، ومن الجدير بالذكر ان الذين يتبعون استراتيجية « انحني للعاصفة حتى تمر « مازالوا يراهنون على العودة والانقضاض على السلطة ولم يكلف زعماء المرحلة الديمقراطية التي ارستها قوات التحالف بعد التاسع من نيسان انفسهم ان يكونوا على محك التغيير في نبش وحفر مآلات الواقع السياسي في العراق بعد انتشال الجرذ من جحره، فبعد سقوط نظام العوجة، شهدنا سياسيون معارضون كانوا قد تنازعوا على السلطة قبل بلوغها في مؤتمر لندن ابتهلوا بسقوط صدام وتناسوا ذلك الديكتاتور القابع في التركة الثقيلة، اولئك الذين تصارعوا على الغنيمة قبل القطاف، وتسلموا السلطة في بلد مترع بخراب البشر والحجر زادوها بخرابهم السياسي والطائفي، اولئك السياسيون هم الذين اخرجوا الديباجات والمفاهيم البالية من جحور التاريخ وتركوا مؤسسات الدولة نهباً لآكلي الجيفة من الحرس القديم الذي ترسخ في جميع المؤسسات وعدها ضيعة تاريخية بختم البعث الذي لبس خمار « العودة» بمباركة سعودية وقطرية تحت عناوين عديدة وآخرها « داعش» .
وحري بنا ان نتنبه الى اولئك المزورون للوقائع والتاريخ الذين تناهبوا وسائل السلطة الرابعة وفتلوا رقبتها والى اولئك المثقفون الذين يغازلون القتلة تحت عباءة العقلانية  ويطالبون بالحوار مع القتلة وافراغ مرحلة العدالة الانتقالية من محتواها، هؤلاء يغيبون حقيقة ان الامم الحرة لم تجد من مناص غير اللجوء للحوار لحل مشكلاتها ومعضلاتها المستعصية ويتناسون ان لكل حوار شروطه ولكل حادث حديث ، ويستعير اصحابنا المتقنعين بالعقلانية تجارب الشعوب الحرة ليقدموها وصفة جاهزة للقفز على كل كوارثنا الاجتماعية والفردية، ففردانية المتثاقف المقنع بالعقلانية وهو يدعو لوليمة خنوعه يقدمها على انها حبل نجاة لامة ساهم في ضياعها وشرذمتها، هذا المتثاقف المسترخي بخنوعه ايام مقهى حسن عجمي في الحقبة الزيتونية لم يجرؤ على نصرة ذاته المذبوحة معنوياً من قبل البعث، هذا المتثاقف يقدم لنا اليوم عبر الفضائيات سواء كان قابعاً في جحر ببغداد او جالساً على شرفة في عمان تنظيراته حول السلم المجتمعي من دون التطرق ولو بكلمة لجرائم البعث وصنيعته « داعش».
وبعد ان أصبح العراق حراً من صدام ببركة اول دبابة امريكية حطت رحالها في ساحة الفردوس، إلا ان عودة حزب البعث إلى الحكم، يأخذ هذه الأيام أبعادا دموية وخيارات عدة امام العراقيين احلاها شديد المرارة عبر ما حدث في الموصل وتكريت، وهذا ما كان يراهن عليه البعثيون .
في قصة خبرية كبيرة الدلالة ان القوات الامنية القت القبض على احد افراد داعش والذي اعترف بان تنظيمه كان ينوي الدخول الى بغداد وهم يحملون صور السيستاني والصدر، يحيلنا هذا الاعتراف الى ما فعله البعثيون في الثامن من شباط 1963 حيث رفع البعثيون صور زعيم الجمهورية الفتية عبد الكريم قاسم على الدبابات التي تحركت صوب وزارة الدفاع للإجهاز على حكومة الجمهورية والتي انتهت الى الفظائع الدموية التي ارتكبها البعث بحق الشيوعيين وانصار قاسم، فهل سيقنعنا عقلاني متثاقف بعد هذه الاعترافات ان الحوار مع البعث الصدامي وحواضنه سيمكن العراق من تجاوز محنه ومآسيه ؟
ان التاريخ القريب يكشف ومنه مؤامرة الشواف في الموصل ان العراقيين ما زالوا يقتلون قرابين للبعث في مقابر جماعية او بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة وآخرها سيناريو المحافظات السنية، وصدّام الذي كان يقتل خصومه سرا وعلنا بات اليوم رمزاً واسوة للجرذان من البعث ودواعشه ، هم اليوم يحولون العراقيين إلى أسماء على شواهد قبور، عدا الجثث المجهولة الهوية، التي يُعثر عليها بالعشرات كل يوم مقيّـدة اليدين وعلى رأس كل منها طلق ناري.
وهل اصبح العراق حراً بعد 2003 بمعنى الحرية  التي تعيشها الشعوب التي تجاوزت سن التكليف الحضاري؟ وهل سيأمن اهله شر الخلايا النائمة والمتربصة به من كل حدب وصوب ؟ فأن ما يجري على الأرض يؤكّـد أن أكثر من صدّام يتواجدون في المسرح السياسي، والأكثر إثارة، هو أن الحديث عن عودة حزب البعث العراقي إلى الحكم، يأخذ هذه الأيام أبعادا عدّة عبر تسريبات عن انقلاب عسكري أو حكومة إنقاذ وطني بمشاركة قوية من البعثيين، تمهيدا لعودتهم الكاملة قريبا، كثيرون هم اليوم وعلى الاخص من الاجيال الجديدة لم يدركوا ما عاشه العراقيون من اهوال في الثامن من شباط عام   1963فالجهد الذي بذله البعثيون عبر عقود في ثقب الذاكرة العراقية اسفر عن قطيعة بين اجيال كانت تحمل الهموم الحقيقية في بناء وطن يعيش في كنفه الجميع بحرية وكرامة وبين اجيال اضاعت البوصلة وباتت حطباً هشيماً لحروب متتالية لم تترك غير خراب البشر والحجر وضياع القيم النبيلة  والهزائم النفسية وشيوع العدمية التي القت بالأجيال الجديدة في حضيض « الحملة الايمانية» وملحقاتها من التيارات الدينية بعد القضاء على الانتفاضة عام 1991.
ان الافادة من ورقة ضياع الامن وزرع الرعب والخوف في نفوس العراقيين هدف عمل عليه « المنحرفون» منذ ان خفت رياح العاصفة التي هبت عليهم بعد التاسع من نيسان، يقابلها اجراءات امنية مازالت تنتهج استراتيجية « النعامة « والتخبط من قبل اولوا الأمر الجدد، وقد اثبتت الاحداث الاخيرة في العراق اننا امام منعطف تاريخي خطير يحتاج الى رجالات واباء مؤسسون من طراز خاص وقادرون على الوقوف بوجه التحديات من دون الاستعانة بنفس الديباجات و « الاهازيج والهوسات «  التي كان يستعين بها النظام المباد .
*كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة