علي صابر محمد*
في خضم الاحداث الدموية التي تجتاح البلاد والهجمة الشرسة القادمة من خلف الحدود وتكالب قوى الشر على مستقبلنا ومقدراتنا وفي ظل ليس عجزالكثير من القيادات السياسية استيعاب هذا الانهيار الكبير الحاصل فحسب بل وتخلي البعض عن مسؤولياتهم تجاه شعبهم وانسحابهم من ساحة المواجهة مع اعداء العراق وفي هذا المفصل المهم من حياتنا تتخذ المرجعية المقدسة موقفاً تأريخياً مشرفاً في قلب الطاولة على رؤوس الحاقدين والطامعين بالعراق والزاحفين لتدميره وتشحذ همم الغيارى والمخلصين من ابناء الشعب وترص الصفوف وتوحد الجهد الوطني دعماً لقواتنا المسلحة حفاظاً على الوطن وتعبئة لطاقات الجماهير بشيبها وشبابها من اجل حق العراق في العيش بحرية وكرامة ونصرة المظلومين الذين سحقتهم ماكنة العنف في محافظاتنا المسلوبة ، فبعد الفتوى المشهورة للمرجعية ابان ثورة العشرين من القرن الماضي لمقاتلة المستعمر الغاصب وبعد مئة عام ولما رأت بأن النار باتت ستحرق العراق أفتت من جديد بالجهاد الكفائي الذي لن ينتهي الا بزوال الضرر المحدق بالكامل ، انها انعطافة تأريخية رائعة تسحب البساط من تحت اقدام المدعين بتمثيل الشعب والمتسلطين على رقابه والسارقين لقوته وثرواته ، وتعد رمحاً سديداً بقلب داعش ، انه الموقف الذي يعلو على كل مواقف السياسيين واصحاب القرار ، انه السيف أصدق أنباءا من خطابات وبيانات واستنكارات وادانات الكتل المتنفذة في مشهدنا السياسي المؤلم.
عندما شعرت المرجعية الدينية في النجف الاشرف بأن الوطن مهدد وان القوى الغاشمة قادمة لحرق الحرث والنسل واشاعة الفوضى وزج البلاد في أتون حرب أهلية وان لامفر من مواجهة هذا الاعصار المدمر أفتت بوجوب المقتدرين على حمل السلاح للتطوع ضمن صفوف القوات المسلحة للدفاع عن العراق وأهله وصون مقدساته والحفاظ على ممتلكاته وثرواته ، وبعيداً عن كل المزايدات التي تصرح بها بعض الاطراف فان هذه الفتوى قد غيرت موازين القوى وعدلت بوصلة المسيرة بالاتجاه الصحيح ومنحت جيشنا زخماً معنوياً هائلا وحولت الانكسار الى نصر قادم لا محالة ، انتصار النفس اولا ثم ترجمتها على الارض كفعل ملموس ، وبهذه الفتوى تكون المرجعية قد كتبت مرحلة جديدة لتاريخ العراق ، مرحلة تجاوزت مستنقع الانقسامات الطائفية والقومية فالفتوى لا تقتصر على طائفة معينة فقط وانما موجهة لكل العراقيين الشيعة والسنة والمسيحيين والشبك والصابئة المندائيين والايزيديين وعربهم وكردهم وتركمانهم وكل من أرتضى ان يعيش في هذا الوطن وأكتسب الهوية العراقية ولم تستثنِ احداً ، هذا التأثير السحري قد استنهض كل الطاقات ودفعها باتجاه الدفاع عن الحرمات وكان له الدور الكبير في ايقاف زحف الوحوش نحو بغداد ، فليتعظ الساسة الجدد من هذا الموقف الوطني العملاق الذي يسمو على التخندقات الضيقة التي ألفناها من الكتل المتصدرة ، وليعرف كل حجمه الحقيقي أمام قوة وتأثير المرجعية الدينية ، ومن حسن حظ العراقيين أن هذه المرجعية ومنذ سقوط الطاغية كانت صمام أمان العراقيين ولم يصدر منها الا المواقف الوطنية الأصيلة ولم تكن يوما ممثلة لطائفة معينة ولم تدعم جهة معينة ضد أخرى بل وقفت على مسافة واحدة من الجميع ، وكم انتقدت أداء السياسيين والحكومة وكم دعت الى توحيد الصفوف ونبذ الخلافات وكم شخصت مواطن الفساد في جهاز الدولة ودعت الى محاربته وكم نصحت اصحاب القرار ، وفي المنعطفات التي مر بها الوطن كانت خيمة سلام تظلل تحتها المتخاصمون ، فهنيئاً للعراقيين بهذه المرجعية الرشيدة وليكن السياسيون بمستوى المسؤولية وليجلسوا على طاولة الحوار وليكن هدفهم هو انقاذ البلاد من شر الجراد القادم من خارج الحدود.
ان نتائج الانتخابات لم تدخل حيز التنفيذ بعد و الخلافات السياسية باقية على حالها برغم أمنياتنا بتناسي هذه الخلافات والعبور الى مرحلة الوقوف عند القواسم المشتركة ولكن العمليات العسكرية التي تشهدها المحافظات الساخنة والحشد الجماهيري الذي ولدته فتوى المرجعية قد جمد الحراك الانتخابي وخطواته اللاحقة وما يشغل العراقيين اليوم هو التطوع للدفاع عن العراق طالما يتعرض الوطن الى الغزو من قبل شذاذ الآفاق وأعداء العراق ، وهذا يفرض على الجميع ان يكونوا تحت أمرة القوات المسلحة وتناسي كل الخلافات وأن أي سلاح بيد الجماهير خارج سيطرة القوات الامنية يعد انحرافاً عن فتوى المرجعية وإقحاماً للبلاد في حرب المليشيات المرفوضة ويمنح المشككين فرصة تأويل الأمور ويتيح للمتصيدين اثارة النعرات الطائفية كذلك نرفض اي تواجد أجنبي على الارض العراقية حتى وان كان داعماً لقواتنا المسلحة فالعراق ليس محتاجاً الى رجال تقاتل نيابة عنه وانما يعوزنا السلاح والمعلومات الاستخباراتية والمشورة التخصصية.
المرحلة القادمة تتطلب مراجعة السياسيين لأدائهم وكذلك أجهزة الدولة والقيادات الامنية وفي جميع المجالات ، وبرغم الاختلاف في وجهات النظر وبرغم معرفتنا بأن سوء ادارة البلاد هي التي أوصلتنا الى هذا الانهيار الأمني الا ان الواجب الوطني يقتضي منا الوقوف بجانب قواتنا المسلحة في مواجهة الهجمة الشرسة لأعداء العراق ، والتصدي للمعلومات الملفقة التي تبثها قنوات معادية ومأجورة ، بداية الانفتاح على المجتمع وعدم اعتماد خطاب كيل الاتهامات بعضنا تجاه الآخر بل اعتماد لغة التوادد و مد الجسور وابراز الهوية الوطنية ، كذلك عدم فتح جبهات جديدة مع الخصوم السياسيين في الوقت الحاضر فالعدو على الابواب وخطره يهدد جميع مكونات المجتمع لا بل سيحرق كل ارث حضاري وكل بناء شيده العراقيون وسيقتلون كل أمل لمستقبل واعد يمكن ان يراه أطفالنا وما علينا الا حمل السلاح دفاعاً عن وطننا وعن اموالنا وأعراضنا فداعش ليس لديها برنامج سوى الموت لكل من لا يتفق معهم في الرأي والعقيدة سواء من الشيعة أو السنة أو المسيحيين أو اية طائفة ، اليوم مطلوب تضافر كل الجهود من أجل درء الخطر القادم .
*كاتب عراقي