علي صابر محمد*
انها الصاعقة التي نزلت على رؤوس العراقيين والكارثة الكبرى التي حلت علينا ونحن نرى بأم أعيننا كيف انهارت قواتنا المسلحة في الموصل وبكثرة عددها وعديد سلاحها ودروعها ودباباتها وطائراتها أمام فئة قليلة وبأسلحة خفيفة مجموعة ظلامية لا تمتلك أي برنامج سوى الموت وليس لديها قيمة لمعنى الحياة ، أنها المأساة التي توقف العقول وتجلب الذهول في دولة انفقت المليارات على بناء ترسانة عسكرية ومنحت الامتيازات لقياداتها لحفظ أمن المواطن الا ان بعضها عجزت في اللحظة الحاسمة من حماية نفسها وتخلت عن سلاحها وزيها العسكري لتترك ساحة المعركة امام شرذمة من القتلة والمتخلفين الوافدين من خارج الحدود وفي سويعات قليلة سقطت محافظة نينوى بيد الارهابيين ولتنقل وسائل الاعلام بعدها صور الارتال الطويلة من السيارات المحملة بالجنود وهم يتوجهون ليس لساحة الشرف بل الى بيوتهم وبملابس مدنية تبعث الأسى في النفوس وتعتصر القلوب ، نينوى المحافظة المدنية وأهلها المحبون للحضارة والحداثة يقعون بيد جهات تطبق عليهم قوانين القرون الوسطى ، وخلال يوم كامل تسقط محافظة صلاح الدين واجزاء من كركوك والعاصفة تتجه صوب بغداد ولم نلمس أي رد فعل من القوات المسلحة في هذه المحافظات بل جرى تسليم مواقعهم للمسلحين بلا قتال ، ولا نعتقد بأن هذا الانهيار جاء بمحض المصادفة او ان الحظ حالف المهاجمين بل نرى فيه حرفية عالية ومهنية عسكرية واضحة لأصحاب خبرة صبت قدراتها وتجربتها في انتزاع المحافظة من أيدي حراسها بسهولة ويسر وجهود تخطيطية لمخابرات اقليمية مقابل الاحباط الكبير الذي سيطر على الجيش وقياداته ، وما لم يكن هناك تواطؤ وتراخٍ وغياب اليقظة واختراق للمنظومة الامنية لقواتنا المسلحة لما تمكن المسلحون من احراز هذا الكم من التقدم وباوقات قياسية ،
يا ترى أين العقيدة القتالية والحرفية العسكرية التي من الواجب زراعتها في عقول منتسبي قواتنا المسلحة ؟ وأين التدريب واستنهاض الروح القيادية لدى ضباطنا ؟ وأين موقف المواطن في هذه المحافظات من زحف المغول ليدنس أرضهم ويعيدهم الى عصر الظلمات ؟ وهل يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى عند احتلال العراق عام 2003 عندما لم يقاتل الجندي العراقي لأنه كان يشعر بان النظام معاد له ولا ينتمي اليه ؟ لم تسقط نينوى بالأمس بل أنها سقطت منذ سنوات وفي ظل تواجد القوات العسكرية فيها فان معظم أحيائها كانت بيد الدولة نهاراً وتنتقل الى يد الارهابيين مساءا وجميع أهالي الموصل يدفعون الاتاوات للمنظمات الارهابية شهرياً وليس بمقدور أي شخص من ابناء المنطقة ممارسة نشاطه التجاري ما لم يشارك المسلحين بايراداته ومع ذلك لم تبادر قيادة عمليات نينوى انهاء هذه الحالة المزرية للناس والحد من نشاط داعش ومن استيعاب سكان المنطقة وضمهم الى صفوف الدولة بل بالعكس فان المعاملة السيئة وغير الوطنية من قبل هذه القوات مع الاهالي ولدت استعداء المنطقة تجاه القوات المسلحة وبات المواطن الموصلي بين المطرقة والسندان وعندما حدث الانهيار لم يمنح المواطن ولاءه لا للدولة ولا لداعش وآثر الخلاص وعائلته من جحيم المعركة بحثاً عن الامان في اقليم كردستان او أي مكان آخر يأويه
ادركنا وقلنا منذ سنوات بأن انسحاب القوات الاميريكية من العراق له مخاطر كبيرة سيما وانه لم يتم بعد بناء قوات مسلحة عراقية متكاملة العدة والعدد وان هذا البناء الهش وغير المجهز بالاسلحة المتطورة وفي ظل تناحر وعدم توحد القوى السياسية الحاكمة وبروز الصراعات على أشدها بين الكتل الحاكمة سيكون من الصعب مجابهته وفرض الامان على البلاد من قبل قوات ضعيفة وغير متماسكة وها نحن اليوم نقطف ثمرة هذا الانسحاب المبكر للاميريكان ، وحتى الاتفاقية الامنية الموقعة بين الجانبين العراقي والاميريكي لم تفعل برغم تدهور الوضع بهذه السرعة ولم نشاهد من الجانب الاميريكي سوى التنديد والوعود و الكلام المعسول ، ولعل زيارة رئيس الوزراء الايراني الى تركيا للتباحث بشأن العراق ومستقبله قبل أيام والصمت الايراني والسكوت الاميريكي عما يحصل في العراق مؤشرات تحتاج الى ربط بعضها ببعض للوصول الى تفسير للاحداث فلا يمكن تحليل ما يجري بمعزل عن هذه التحركات الاقليمية ، لقد لعبت ايران دوراً كبيراً في سوريا لدعم النظام عندما كان الارهاب بعيداً عن اراضيها اما اليوم فان سلاح الشر اقترب من حدودها فأين الموقف من هذه الازمة ؟
كذلك اميريكا فالواجب الاخلاقي والقانوني يحتم عليها القيام بالرد من اللحظات الاولى لاندلاع شرارة الاعمال المسلحة وعدم ترك الامر ليسوء الى درجة تهدد بانهيار النظام الجديد ، ومن واجب الحكومة في هذه الشدة الضغط على الجانب الاميريكي للقيام بدوره باسناد قواتنا المسلحة. اننا نشعر بان العراق تحول الى ساحة قتال ممتدة من شماله الى جنوبه وبات شعبنا ضحية لأجندات اقليمية تحرك دماها في الداخل وليس لأرواح الناس من قيمة في هذه المعادلة وتساؤلات كثيرة تثار في هذه القضية ومن حقنا ان نشك بوجود طبخة لتقسيم البلاد وهذه بعض من فصولها.
ليس هناك من وقت لألقاء اللوم والمسؤولية على أية جهة فالكارثة وقعت ولا يفيد الندم على ما فات وما علينا الا تدارك الامر ولملمة قوانا و ترتيب البيت العراقي وجلوس رؤساء الكتل على طاولة الحوار والخروج بموقف موحد وتحديد الواجبات المناطة بكل جهة لتفادي سقوط النظام وغرق العراق ببحر من الدماء واعادة هيكلة قواتنا المسلحة والحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية ومنحها الزخم المعنوي الذي يؤهلها لأستعادة الثقة بنفسها والقيام بدورها والنهوض من الكبوة التي وقعت فيها فعلى جميع القوى الوطنية تجميد خلافاتها مع بعضها وتجاوز كل شيء فالوطن مهدد بالضياع والجميع سيكون الخاسر وعلى المخلصين مساندة الجيش والوقوف صفاً واحداً لمؤازرته في هذه الاوقات العصيبة وتوحيد الخطاب ضد الاعلام الرامي الى تدمير البلاد وتحقيق اهداف الاجندات الخارجية.
*كاتب عراقي