في بدايات القرن التاسع عشر قدّم الفيلسوف (أرتور شوبنهور ) كتابه الشهير (العالم امتثال وإرادة ) بعد أن اضمحلت المفاهيم الفلسفية التي نادى بها من سبقوه في مجال الأخلاق وكان شوبنهور وضمن مفهوم اتجاهاته الأخلاقية قد دعا إلى إنكار العالم والحياة ،وقطعا أن هذا الرأي له صلة بالتضاد تجاه ما طرحه العديد من الفلاسفة في ذلك الوقت والذين كانوا بالضد من أطروحات شوبنهور ومنهم (نيتشه ) الذي دعا لتوكيد للعالم والحياة، إن مفهوم شوبنهور للعالم يقوم على جدلية الذات – الكل وهو الذي يقول :إنني أفهم العالم بقياسه إلى نفسي فحسب وهذا يعني أي أن العالم حالة ذهنية قد وجدت أسبابا في كيان المرء لقياسه عليها من دون الإحساس بالعالم الخارجي وتقلباته التي يكون الإنسان أحيانا عرضة لهذه التقلبات فيكون آنذاك من الصعوبة رسم نهج ما لطبيعة وحدانية التفكير للشعور بالاطمئنان وتقرير المصير وفق ما يريده وليس تحت مؤثرات البيئة المختلفة، أما كل شيء يلقاه في عالم الظواهر حسب تعبيره هو تعبير عن إرادة الحياة لذلك كانت النفس في رائه كونها هي الأخرى من الظواهر الفيزياوية فهي إرادة حياة، يرى شوبنهور أن في الكون أفراداً يعانون من نقص في الحاجات وهذا النقص لا يُسد إلا بإشباعها ،والوسيلة والهدف لهذا الإشباع هو الدافع الباطني ،ولما كان الدافع الباطني باعتقادنا ذات رغبات غير مستقرة وأحيانا ليست بالرغبات المادية فكلما أستطاع الفرد سد نقصا في تلك الحاجات فأنه يشعر بالحاجة إلى المزيد وسبب ذلك ليس بكثرة الحاجات التي يرتأى الإنسان بلوغها وإنما بلذتها وهذه اللذات لا تنتهي كونها تمثل صراعا مستمرا مابين الإنسان وإرادته ليتم تحقيق شيء ما شيء خاص وكبير . ويمكن تفسير ما يعنيه شوبنهور أن الإنسان بحاجة لإكمال نفسه حيث يبلغ في مرحلة ما التسامي والعلو فوق كل المصاعب والآلام التي تعترضه أي أن هناك مقاومة ما ، مقاومة تنبع من اليأس والإحباط مادام هناك الإدراك العلوي لطهارة الوجدان المُعَبر عنها بالحب والرحمة اللذان عجز شوبنهور عن استخلاص نتائج ولو أوليه منهما تجاه إنكاره الأخلاقي للعالم والحياة، إن إنكار الحياة مثل تأكيدها ضمن الصراع الذي كان سائدا مابين الفلاسفة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر التي سادت آنذاك في عقول المفكرين ومنها إرادة الفعل أم إرادة الحياة، يقول ألبرت أشفيتسر وهو مؤلف كتاب فلسفة الحضارة:
ثمة فكرتان ألقيتا بظلهما أحدهما ماتبين أن العالم حافل بالأسرار التي لايمكن تفسيرها وبالآلام والثانية تتميز بالانحلال الروحي لبني الإنسان في مرحلة من المراحل التي نتحدث عنها في فلسفة الحضارات لذلك لابد من العمل على جعل الناس أقل خجلا وبهذا يُثير أشفيستر أسئلته حول قدرة التفكير على الإجابة بإجابات صحيحة عن العالم وعلاقاتنا به.
قيس مجيد المولى
صراع الفلاسفة بين التأكيد والإنكار
التعليقات مغلقة