الحكومة الجديدة والتحديات الكبرى

 صادق باخان *

تميزت الانتخابات البرلمانية التي جرت في الثلاثين من نيسان 2014 عن انتخابات عامي 2006 و2010 بكثرة المرشحين من الكتل والاحزاب والافراد المستقلين الذين ارتأوا وضع عبارات البروفيسور والكابتن والتربوي الفاضل وشقيق الشهيد امام اسمائهم بغرض التأثير في عواطف الناخبين عسى ولعل ان تتاح له فرصة الدخول تحت قبة البرلمان ليحقق بدخوله جملة من المنافع لعل في مقدمتها الفوز بالوجاهة الاجتماعية فضلا عن بقية المنافع المادية في حين ان في بريطانيا يمنع بحسب القانون على المرشح تعليق لافتة او صورة على اسوار قلعة لندن او على سور ساعة بيغ بين او على سور بناية 10 داوننغ ستريت وهي بناية مجلس الوزراء في لندن وانما يعتمد على ارسال رسالة الى الناخب يطلب منه الادلاء بصوته لصالحه في الانتخابات –

اما عن الاعلان عن نتائج الانتخابات فقد تشعبت الاحاديث وتسربت التكهنات عنها اما عن تشكيل الوزارة الجديدة فقد نسجوا الاساطير بشأنها لدرجة انهم قالوا بانها ستشكل بنهاية العام 2014 في ضوء المشروع الذي طرحه رئيس الوزراء المنتهية ولايته السيد نوري المالكي وهو تشكيل حكومة الاغلبية السياسية بالضد من حكومة المحاصصة –

والمثير في الامر ان البعض لجأ الى تصدير لهجة التهكم بقدر ما يتصل الامر بتشكيل الوزارة وضربوا لذلك مثلا بتشكيل الوزارة البريطانية اذ حين فاز حزب المحافظين في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل ثلاثة اعوام فانه لم يفز بالأغلبية فاضطر لذلك الى تشكيل ائتلاف مع حزب الاحرار وهو اجراء تم اللجوء اليه قبل خمسين سنة فتمكن السيد ديفيد كاميرون بالتالي من تشكيل الوزارة في غضون اربع وعشرين ساعة فاستطاعت الحكومة الائتلافية من تحقيق طفرة اقتصادية بعد ان كان الاقتصاد البريطاني يترنح في ازماته –

بالتأكيد ان الوزارة العراقية الجديدة ستواجه تحديات خطيرة ولعل في مقدمتها الارهاب والبطالة وتدهور مستوى التعليم وعدم الاعتماد على النفط بوصفه المصدر الاساس لتغذية الموازنة العامة التي تشعبت الصراعات حولها فضلا عن ضرورة تشريع قانون النفط والغاز والحاجة الى تشكيل المجلس الاتحادي والخدمة العامة بغية معالجة الفوضوية في التعيينات بحسب الوصف الذي استعمله رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في كلمته الاسبوعية الاخيرة وكذلك تشريع قانون الاحزاب وتطبيق المادة 140 من الدستور مثلما طالب ذلك السيد نوري المالكي –

وبقدر ما يتعلق الامر بالتحديات الكبرى التي ستواجه الحكومة الجديدة فان المعنيين بالدراسات السوسيو- سيكولوجية يركزون اهتمامهم بجانب البطالة والتعليم ويعدان هذين الجانبين من اهم العوامل في احداث نقلة نوعية في تطور الانسان والمجتمع ويرون بأن التعليم قد تدهور في ظل النظام السابق لانه كان مهووسا بالحروب والمغامرات الدونكيخوتية لدرجة خسر العراقيون زمنا طويلا وهم يعيشون خارج اسوار القرية الكونية حتى بات الفلاح العراقي يستعمل المحراث الخشبي الذي يجره ثور عجوز ، وهذا صحيح ويمكن الاستشهاد بمثلين من اليابان وماليزيا ، فبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية خاطب امبراطور اليابان شعبه بالقول بان البلد الذي الحق الهزيمة باليابان لابد ان يكون متقدما في العلم عليها ولهذا اتركوا السلاح وتوجهوا الى العلم فاستطاعت اليابان في ظل حكومة حزب الديمقراطي الليبرالي من تحقيق معجزتها الاقتصادية في زمن قياسي فغزت الاسواق العالمية بمنجزاتها الصناعية والتكنولوجية من دون ان تملك قطرة واحدة من النفط ، 

في حين ان ماليزيا حققت قفزتها الاقتصادية وصارت في طليعة البلدان الاسيوية المسماة النمور الاسيوية وحين سألوا رئيس الوزراء الماليزي الاسبق مهاتير محمد – كيف تمكنت من تحقيق هذا الانجاز ؟اجابهم بانه لم يفعل شيئاً سوى ان نشر التعليم ، وهذا صحيح لان البلدان لا يبنيها الاميون والاميون الثانويون الذين صاروا يحتلون اخطر المراكز الاجتماعية والاقتصادية وانما يبنيها المسلحون بالعلم والحمية الوطنية من دون رفع شعارات مزورة يضحكون بها على ذقون المغيبين عن الوعي ، اما عن البطالة فقد خاطب فيلسوف الماني في القرن التاسع عشر الاحزاب السياسية المتصارعة بالقول – ان شئتم ان تجدوا حلولا لمشكلاتكم فان عليكم ان تجدوا حلا لمشكلة البطالة –

البطالة تترتب عليها جملة من النتائج الكارثية ولعل من اخطرها ان العاطل عن العمل يمكن بسهولة ان يصبح صيداً سهلا للجماعات الارهابية فتوظفه للقيام باعمال ارهابية يحصد بها ارواح الابرياء في الاماكن المزدحمة مثل الاسواق والمرأب والمساجد والحسينيات والمقاهي وملاعب كرة القدم –

ولخطورة البطالة فقد وجدنا الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند يؤكد قبل ايام بأنه لن يترشح لولاية اخرى للانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2017 اذا لم ينجح في معركته ضد البطالة والنمو الاقتصادي المتردي في فرنسا في نهاية مدته الرئاسية الحالية –

هكذا اذن وكما ترون بأن الحكومة العراقية الجديدة التي ستشكل اليوم او بعد غد ستجد نفسها امام تحديات كبرى غداة مرور 11 سنة على التغيير السياسي وان عليها ان تعد اجندة طموحة انفجارية من شأنها انتشال العراق من تخلفه على جميع الصعد وان تسعى جاهدة على تحرير العراق من سجن الاقتصاد الريعي وتنويع الاقتصاد وفسح المجالات امام القطاع الخاص ليسهم في البناء الصناعي والاقتصادي والزراعي لكي لا يظل الفلاح العراقي يستعمل المحراث الخشبي الذي يجره ثور عجوز.

*من أسرة تحرير الصباح الجديد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة