في صحبة لامية وتائية ونونية الشنفرى

د. أحمد عزيز

عن دار البشير بمصر صدر كتاب «في صحبة الشنفرى، معه في لامية العرب وتائيته وقطعة نونية له» للكاتب المصري الشاب محمود رفعت. الذي يعمل معلما للغة العربية في إحدى مدارس الكويت الخاصة. حصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية من جامعة القاهرة عام 2008، ثم انطلق في الحياة انطلاق كل شاب في جيله يريد أن يبدأ حياته العملية وأن يؤسس بيتا وأسرة، لكنه لم يترك القراءة والكتابة، بل ظل يركن إليهما في أوقات فراغه، ويبدو أنه انشغل طويلا بالشنفرى وأشعاره في أوقات فراغه تلك، ولما أحسّ من نفسه القدرة على أن يضيف شيئا إلى ما قيل من قبل عن لامية العرب كتبه فاحتفى به أستاذه الدكتور محمد جمال صقر الأستاذ بجامعة القاهرة احتفاءً كبيرا، ونشره على موقعه، وقدم لشرح اللامية حينئذٍ فقال:
«أوائل تسعينيات القرن الميلادي العشرين جاءني أحمد سليمان تلميذي المصري النجيب، يقصّ علي بمكتبي في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، حُلُمَه بالشنفرى، أنه زاره في قريته، وأنه زوَّجه من أهله، وأنه…، وأنه….!
ثم هذا محمود رفعت تلميذي المصري الدرعمي النجيب، يرسل إلي اليوم (16/12/2018)، شرحه للامية العرب الذي تدسّس فيه إلى ضمير الشنفرى حتى قوَّلَه ما لم يُقوِّلْه إياه أحدٌ قبله!
ألا عجبا لهما أيَّ عجب؛ يقتحم الشنفرى على أولهما ضميرَه، ثم يكون آخرُهما هو الذي يقتحم على الشنفرى ضميرَه؛ فأيَّ رجل كان هذا الذي خلَّدته لامية العرب»!
فكانت هذه الكلمات اللطيفة إيذانا من الأستاذ لتلميذه بمعاودة الاقتحام بجرأة إذا بدا له أن يضيف شيئًا إلى ما كتب السابقون؛ فنراه بعد ذلك يقتحم على الشنفرى ضميره مرة أخرى حين يشرح تائيته العظيمة (ألا أم عمرو أجمعت فاستقلتِ)، ثم يرى أن يدعم ما قاله عن التائية بالوقوف أمام قطعة نونية للشنفرى، فكتب ما كتب عن (إذا أصبحتُ بين جبال قوٍّ) وأستاذه ينشر له على موقعه، ويشجعه.
والكاتب في هذا كله لا يكتب إلا كتابة قارئ متذوق؛ فلم يَسِرْ على نهج أساتذته الأكاديميين، ولا التزمَ شروطَهم عند الكتابة عن ذلك الزمن وأشعاره، يكتب كما قال عن نفسه: كتابة قارئ متذوق. لا أكثر ولا أقل، وهو مع هذا يوجّه كلامه للمتخصص وغير المتخصص، ولهذا رأيناه يأبى كل الإباء أن يضيف إلى كتابه مباحث للتعريف بالشاعر وعصره وقيمة شعره، وبرغم أهمية هذه المباحث في مثل هذا النوع من الكتب يتجاهلها الأستاذ محمود، ويعلن من الصفحة الأولى أنه إنما أراد أن يُفسح للشاعر وشعره، ولا يكتفي بهذا بل يجعل تقديمه للكتاب تقديما موجزا أشد الإيجاز، وكذلك فعل أستاذه الدكتور محمد جمال صقر؛ فإنه برغم مدحه لكتاب تلميذه يقدم له مقدمة مختصرة شديدة الاختصار، لكنها في الوقت نفسه منحازة للكاتب انحيازا كبيرا، حتى لقد قال:
«لقد أحب صاحب هذا الكتاب الشنفرى على بعد الزمان والمكان، وخلطه بنفسه حتى نسي أنه محمود وأنه الشنفرى، وبدا له أنه إنما يراجع كلامًا قاله هو نفسُه قبل ستة عشر قرنا؛ فعنده من ثمَّ خبرُه الذي لا يعرفه غيرُه على طول استتاره ولا يجوز منه الارتياب فيه، لأنه صدَق نفسه، والصدق منجاة!
اقرأ ما شئت من شروح شعر الشنفرى، ثم انسَهُ، واقرأ هذا الكتاب؛ فلسوف تجد صاحبه يجمع لك من معاني الشنفرى ومبانيه التي فرَّقها في شعره ما لم يجتمع قبله، مثلما يجمع مركبو أجزاء الصور المقطعة أجزاءها – فإذا هي صور أشخاص يعرفونهم أو يعرفون أشباههم – ولا يدعها حتى يعلق بها معانيه ومبانيه».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة