سمير خليل
مع التقدم العمراني والاساليب والاشكال الهندسية التي بدأت تحتل ابنيتنا وتتنافس فيما بينها في سباق محموم ، ترفض بعض الابنية القديمة وواجهاتها مغادرة الذاكرة وهي تحاول ان تصد ايضا سهام النسيان والاندثار.
الشناشيل ومفردها شنشول، تشكيل معماري يحمل شكلا فنيا كشرفات خشبية مزخرفة هندسياً بالرسم على الزجاج، تعمل على إبراز واجهة الطابق الثاني بأكمله أو غرفة من غرفه بشكل شرفة معلقة بارزة إلى الأمام، وتمتاز بانها يمكن النظر خلالها من البيوت وبالعكس لايمكن اختراق النظر عبر الشناشيل من الشارع.
تشير المصادر التاريخية الى ان الشناشيل بدأ ظهورها في القرن السادس الهجري (الثالث عشر الميلادي) إبّان العصر العباسي، واستمرت حتى فترة متأخرة من القرن العشرين، لما تتميز به سواء من ناحية الوظيفة ام الشكل ومن هنا لم يكن غريبا ان يكثر انشاؤها في القصور والبيوت التقليدية وبعض المباني العامة مثل دور الإمارة والخانات والمستشفيات وغيرها.
وبحسب مختصين في فن العمارة، في القرن السابع عشر الميلادي، في بغداد والبصرة، إلا أن أوج انتشارها كطراز معماري حديث – في حينه – كان في العصر العثماني حين وصلت إلى أبهى صورها وانتشرت انتشارا شبه كامل في العراق والشام ومصر والجزيرة العربية، سيما وانه بالاضافة الى شكلها الفني الجميل ، فان من وظائفها امتصاص اشعة الشمس الساقطة وخلق جو من البرودة من خلال مرور الهواء البارد من الفتحات المنتشرة في اجسام الشناشيل، كما يسمح تصميم القضبان وفتحات الشناشيل لأشعة الشمس في الشتاء بالدخول إلى البيوت ، وبالتالي يزيد ذلك من درجة حرارة الداخل ليشعر قاطنوها بالدفء.
هنا في بلدنا ، كانت الشناشيل واحدة من أهم الشواخص المعمارية التي تحاكي الهوية الجمالية للمدن العراقية، وانتشرت بشكل ملحوظ في مدن البلاد لتحتل الأحياء الراقية و الأحياء الشعبية سيما وان روح التقاليد المحافظة تهمين عليها ناهيك عن تميزها بالبساطة، الأمر الذي ابقاها علامة مميزة في التراث العراقي المعماري وظلت مجسمات فنية نادرة رغم انها تعرضت للهدم والاندثار بعد استبدالها بمبان حديثة او تحولت الى ورش ومخازن.
وللشناشيل مكانة في الادب والثقافة الشعبية العراقية كما لها مكانة تراثية حيث جاءت في بعض الاغاني الفلكلورية والقصص والقصائد ولعل ابرزها رائعة شاعرنا الكبير الراحل بدر شاكر السياب “شناشيل ابنة الجلبي”، كما ظهرت في لوحات تشكيلية وأعمال نحتية وصور فوتوغرافية والتي قدمها العديد من الأدباء والفنانين العراقيين.
“الشناشيل” صراع بين الذاكرة والمعمار الحديث
التعليقات مغلقة