الصباح الجديد ـ متابعة:
لا يزال خطر التهديدات الإرهابية في روسيا حاضراً بقوة، على رغم الجهود الأمنية المتواصلة هناك لمحاصرة التنظيمات الإرهابية في المدن والأقاليم الروسية بشكل عام، بما في ذلك منطقة شمال القوقاز.
وأعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي امس الاول الاثنين عن إحباط سلسلة من الهجمات الإرهابية، في مدينتي موسكو وأستراخان وجمهورية قباردينو بلقاريا، أعدها عناصر من تنظيم داعش. ويأتي ذلك اتصالاً بسلسلة من العمليات المماثلة التي تم إحباطها خلال الفترات الماضية، والتي تُظهر مدى خطورة التهديدات الأمنية التي تواجهها البلاد جراء تواجد العناصر المنتمية لتنظيم داعش والموالية له.
ويتحدث محللون بموازاة ذلك عن خطر العائدين من سوريا والعراق بعد هزيمة تنظيم داعش هناك، إلى روسيا، وسعيهم لبناء قواعد جديدة، لا سيما أن المقاتلين الروس كانوا يشكلون النسبة الأكبر ضمن قائمة المقاتلين الأجانب داخل التنظيم الإرهابي بصفة عامة.
في العام 2019 ارتفعت نسبة العمليات الإرهابية داخل روسيا والتي تم إحباطها، بنسبة 38 بالمئة، مقارنة بالعام السابق عليه، طبقاً لما أعلنه المدعي العام الروسي، إيغور كراسنوف، والذي لفت إلى تزايد خطر الإرهاب في بلاده.
وفي العام نفسه أحبط الأمن الروسي هجمات إرهابية في 24 منطقة متفرقة بالبلاد. ووصف المدعي العام الروسي مستوى التهديدات الأمنية في بلاده بأنه “لا يزال مرتفعاً”.بينما في العام 2020 تمكنت قوات الأمن الروسية من تصفية أكثر من 20 “من أعضاء الخلايا الإرهابية” طبقاً لتصريحات نقلتها تقارير إعلامية روسية عن قائد المجموعة المتحدة لقوات مكافحة الإرهاب في منطقة شمال القوقاز، فاسيلي فيدوروك، والذي كشف عن أنه في العام نفسه تم اعتقال أكثر من 70 شخصاً من المتواطئين مع تلك العناصر، بينما تم وضع أكثر 480 مواطناً روسياً ضمن قوائم المطلوبين أمنياً.
وتعتبر منطقة “شمال القوقاز” هي الأبرز ضمن النطاقات التي تنشط فيها عناصر داعش داخل بعض الأقاليم الروسية.
العائدون من سوريا والعراق
الكاتب الصحافي المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، ماهر فرغلي، يقول في تصريحات صحفية إن “العناصر الداعشية العائدة إلى روسيا -بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق، تمثل تهديداً أمنياً بلا شك داخل روسيا، لا سيما في ظل وجود عناصر قيادية داخل التنظيم يحملون الجنسية الروسية كما كان واضحاً”.
ويشير فرغلي إلى أن العديد من قيادات داعش ينحدرون من روسيا والدول المجاورة، مستدلاً بوزير دفاع تنظيم داعش أبو عمر الشيشاني (ينحدر من جورجيا، وقتل في يوليو 2016)، كما استدل كذلك بوجود فيلق شيشاني خاص داخل تنظيم داعش موجود في العراق وسوريا وله قيادته الخاصة، وكثير من هؤلاء يحملون مناصب قيادية داخل التنظيم.
وبحسب تقرير أصدرته في العام 2017 شركة الاستشارات الأميركية (Soufan) فإن “المقاتلين الروس” يأتون في المرتبة الأولى من حيث العدد بالنسبة لـ “المقاتلين الأجانب” لدى تنظيم داعش، وذلك بواقع 3417 مقاتلاً.
ويردف فرغلي: “بعد هزيمة التنظيم الداعشي في سوريا والعراق، تمكن عديد من هؤلاء من العودة إلى دولهم، ومنها روسيا، وسعوا إلى تأسيس فرع للتنظيم داخل روسيا نفسها، وكانوا حريصين طيلة الفترة الماضية على ما يبدو على الدخول في هذه المناطق والتخطيط لارتكاب عمليات فيها”، موضحاً في الوقت نفسه أن الاختراقات الأمنية واردة، لا سيما أن بعضاً من هؤلاء يستطيعون العودة إلى بلدانهم بحيل مختلفة، لا سيما أن بعضهم ليس من المعروف انتماؤه للتنظيم، أو ربما عاد بجوازات سفر مزورة.
ويشير فرغلي إلى أن “موسكو دائماً ما تشكل محطة للإرهاب وقد شهدت عديداً من العمليات الإرهابية على مدار التاريخ، وتشهد تواجداً للتنظيمات المتطرف منذ فترة الحرب الشيشانية، وبالتالي فإن “التنظيم له قواعد يستطيع الاستناد إليها داخل روسيا”. لكنّه في الوقت نفسه يقول إن “الأمن الروسي قوي جداً ، الاختراقات واردة، ووجودها لا يعني أن التنظيم بمقدوره السيطرة المكانية، لكن بالطبع روسيا ليست بمأمن من العمليات المتفرقة مثل عدد من البلدان الأخرى”.
محاولات إرهابية متكررة
تمكن الأمن الروسي خلال العام الجاري 2021 من إحباط عدد من العمليات، من بينها في مارس الماضي، عندما أعلنت السلطات الروسية عن القبض على 14 شخصاً كانوا يستعدون لارتكاب عمليات إرهابية في البلاد. قبلها في فبراير ألقي القبض على 19 متشدداً للاشتباه في التخطيط لهجمات بشمال القوقاز. وفي أبريل قتل داعشياً خطط لمداهمة مجمع للوقود.
وفي مايو، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي إحباط عمل إرهابي في مدينة (نوريلسك) أثناء احتفالات أعياد النصر. وفي الثالث من يوليو الجاري، أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا، عن القضاء على خمسة إرهابيين في عاصمة جمهورية قباردينو بلقاريا، في شمال القوقاز بجنوب البلاد.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تخوض فيه الأجهزة المعنية في روسيا حرباً ضد العناصر المتطرفة المرتبطة بتنظيم داعش وغيره من التنظيمات، وذلك في مختلف مدن وأقاليم رسيوا، بما في ذلك منطقة شمال القوقاز.
خلايا نائمة
لكنّ مدير مركز خبراء ريالست الروسي، خبير العلاقات الدولية، عمرو الديب، يقول في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “الجماعات الإرهابية في روسيا يمكن وصفها بأنها غير نشطة.. هناك محاولات كثيرة لتحضير عمليات إرهابية في المدن الروسية الكبرى، وعلى رأسها العاصمة موسكو وفي مناطق جمهوريات شمال القوقاز، لكنها في معظمها عبر خلايا نائمة تتواصل عبر الإنترنت مع الجماعات الإرهابية الموجودة في الخارج”.
ويرى أنه “لا يمكن أن نؤكد أن هناك وضعاً إرهابياً قوياً في روسيا؛ لأنه لا توجد عمليات إرهابية ،منفذة عملياً، منذ فترة طويلة داخل روسيا، حتى إذا ما تمت مقارنة الوضع في روسيا بالوضع في دول أوربية على سبيل المثال، وبالتالي ليس هناك مستوى خطيراً من مؤشر الإرهاب داخل الاتحاد الروسي”.
ويوضح الديب في معرض تصريحاته، أن موسكو لديها خبرة كبيرة في مواجهة التنظيمات الإرهابية والفكر المتطرف على مستويات عدة؛ سواء أيدلوجية ومجتمعية وأمنية وحتى العسكرية، ودائماً ما تستطيع إنهاء خطر هذه الخلايا النائمة.
ويشير إلى أن العام الجاري تشهد خلاله روسيا انتخابات برلمانية “ومن الطبيعي أن تنشط مثل هذه الجماعات، ومن الطبيعي أيضاً أن تكون هناك حالة من اليقظة من قبل أجهزة الأمن الروسية، وعلى رأسها جهاز الأمن الفيدرالي ولجنة مكافحة الإرهاب والحرس الوطني والداخلية الروسية، وهي أجهزة لديها خبرة كبيرة جداً في مجال مكافحة الإرهاب”. ويتابع الديب: “الدليل على هذه الخبرة أنه خلال الفترة الأخيرة -لا سيما خلال الـ 10 أيام الماضية- تم إحباط عمليات إرهابية مختلفة”.