-1-
استخدام العدد في الحديث يُثيرُ المستمعَ ويشده الى الكلام، فحين يقول الاستاذ لتلاميذه مثلا :
عندي ثلاثُ جوائز لمن يجيب عن السؤال ، يتحفز الطلاب لمعرفة هذه الجوائز، ويتلهف الجميع لمعرفتها حتى اذا لم يكونوا من الطلاب الناهبين ..
إنّ استخدام العدد يثير فضولهم لمعرفة تلك الجوائز .
-2-
وبناءً على ما تقدم :
ينبغي ان ننتبه الى سِرّ استخدامِ العدد مِنْ قِبَلِ قادتنا الهداة الميامين – صلوات الله عليهم أجمعين – في أحاديثهم .
-3 –
وقد روي عن صادق أهل البيت الامام جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال :
” لإهل الايمان أربعُ علاماتٍ :
وَجْهٌ منبسط ،
ولسانٌ لطيف ،
وقلبٌ رحيم ،
ويد معطية
الوسائل / ج9 -458
والكثيرون منا توّاقون لمعرفة علامات الايمان لكي يحكموا على انفسهم من خلال تلك العلامات ، وكيف لا يتوقون الى ذلك والايمان هو بَوّأبةُ الخلاص وعنوان الفوز …
العلامة الأولى :
الوجه المنبسط
انّ البشاشة والانبساط والابتسامات الوادعة التي لا تفارق الثغر، ما هي الا مؤشرات على ما تنطوي عليه النفس من صفاء ونقاء بعيداً عن الضغائن والأحقاد والعقد المتأصلة في الأعماق .
والنفس المؤمنة يحملها الاطمئنان والسكينة على أنْ تقابل الناس بأجمل صُورِ المقابلة .
وهل ثمة مِنْ لقاء يطيبُ اذا لم يكن منطلقاً من الخزين الايماني العالي الذي تدل عليه قسمات الوجه المنبسط ؟
العلامة الثانية :
اللسان اللطيف
يتحرج المؤمنون الصادقون مِنْ انزلاقِ ألسنتهم الى البذاءات والاتهامات وكل ألوان الانتقاص اللساني للأخرين …
ولا تطفح على ألسنتهم الاّ الكلمات الحلوة التي تداعب أوتار القلوب وتُدخلُ عليها ألوانا من الارتياح والانشراح …
يأمن الناس على أنفسهم من حصائد ألسنة المؤمنين الصادقين في أيمانهم ، الخالية من الكذب والبهتان والغيبة والنميمة فضلاً عن السباب والشتائم والغمز واللمز والطعن …
وهكذا ينعم المجتمع بالنبرة الصافية اللطيفة البعيدة عن دنس الاغراض والايذاء المتعمد
العلامة الثالثة :
القلب الرحيم
انّ القلب الرحيم هو القلب المتفاعل مع آلام وآمال الناس، يحب لهم ما يحب لنفسه من ألوان السلامة والكرامة .
والتشبه بأخلاق الله – وهو أرحم الراحمين – يدل على عمق الايمان في تلك النفوس التي تسعى لان تكون في بحبوحة من المشاعر النبيلة والعواطف الاصيلة، التي تتوجها الرحمة بالضعفاء والبائسين والمستضعفين وذوي الحاجات وتمتد الى سائر الطبقات الاخرى في مسارات انسانية مرهفة .
العلامة الرابعة :
اليد المعطية
اليد المعطية هي اليد العليا، والعطاء السخيّ يكشف عن ايمان عميق، وثقة كبيرة بالخالق الرزاق، بينما ترى الممسكين البخلاء يخشون أنْ ينفقوا ويخافون ان يكون الانفاق عاملاً من عوامل إفقارهم …
وبالتالي فهم يعتبرون الانفاق تَلَفَاً بينما يتنافس المؤمنون في حلبات الانفاق في البر والنفع الانساني، ويعتبرون الانفاق في وجوه البر والاحسان عبادة اجتماعية .
ان هذه العلامات الاربع لا تخرج عن كونها مجساً للأختبار .. اختبار النفس وبشكل ذاتي بعيداً عن تدخل الاخرين .
وهي تدعونا الى مراجعة دقيقة لانفسنا ولن يكون أصحاب العبوس المكفهرة وجوههم قادرين بعد قراءة هذا الحديث على الاستمرار في عبوسهم وجفافهم الاجتماعي ..
كما ان اصحاب البذاءات والتطاول على الاخرين لا يستطيعون ان يسجلوا انفسهم في نوادي المؤمنين الصادقين .
وأمّا اولئك الغلاظ القساة البعيدون عن الاتسام بالرحمة فعليهم ان يعيدوا حساباتهم في تشخيص هوياتهم، انهم بالغلظة والقسوة يبتعدون عن مرافئ الايمان الحقيقي .
وأخيراً :
فانّ الذين يكنزون الأموال ولا يجودون بشيء منها على الاطلاق، حُبّاً للمال ولانفسهم من جانب، وانفصالهم النكد عن التلاحم مع المجتمع عموما ، ومع البؤساء والضعفاء خصوصا من جانب آخر، كل ذلك يبعدهم عن حمل وسام الايمان، وهذه هي الخسارة الكبرى .
حسين الصدر