سلام مكي
بارقة أمل لاحت في أفق الثقافة، عبر بث أولى حلقات ” أوان الثقافة” البرنامج الذي يعنى بالثقافة عبر قناة العراقية الفضائية. فبعد أن اعتاد الجمهور على ثقافة الأون لاين، والجلسات التفاعلية، وممارسة النشاطات الثقافية داخل الغرف الضيقة، بسبب إجراءات العزل التي سببتها ” كورونا” يطل علينا ” الشاعر حسام السراي، ببرنامج ثقافي، يبدو من حلقته الأولى، أنه مختلف عن البرامج الثقافية الأخرى. ” أوان الثقافة” برنامج رسائل ثقافية واجتماعية وسياسية، يسعى فيه السراي وباقي الكادر إلى المساهمة في إعادة الروح إلى النشاطات الثقافية التي عادت تدريجيا إلى سابق عهدها، بعد شهور طويلة من الاكتفاء بالبث عبر الميديا. أولى رسائل البرنامج هو المقدمة غير التقليدية، التي سعى السراي ورفاقه عبر عزف الفتيات بآلة الكمان، وسط شارع المتنبي، وبجوار دجلة، إلى القول بأن ” أوان الثقافة” ذو رسالة مدنية، ثقافية، بحتة، وإن المتنبي ليس مجرد مكان تباع فيه الكتب، بل هو نقطة انطلاق للفكر والثقافة، إنه المكان الذي لازال ممسكا بشعلة التنوير والمدنية. وإنه الوجه الحقيقي لبغداد..
أسهمت الحلقة الأولى من البرنامج في التركيز على جوانب متعددة من الظواهر الثقافية والشخوص الذين يسعون إلى ترسيخ الفعل الثقافي، عبر الموسيقى، الكتاب، الفن التشكيلي. فكانت الحلقة الأولى، مختلفة، عبر سعيها إلى الوصول إلى مناطق وأسماء لم يصل إليها أحد. نصب الحرية، الوجه الأكثر إشراقا لبغداد، كان هدفا لاستحضاره في ذاكرة الجمهور، وسؤالهم عنه.. فليس من المعقول، أن النصب الأهم، والعلامة الفارقة في تاريخ بغداد الحديث، غير موجود في ذاكرة البغداديين، أو في وجدانهم.. فعبر السؤال عن النصب، استطاع البرنامج أن يتواصل مع الجمهور. في حين، كان الظهور في البرامج الثقافية، يقتصر على أسماء محددة وفئات معينة من المثقفين.. لكن ” أوان الثقافة” أوصل رسالة أخرى، مفادها أنه برنامج للجميع، للبسيط، قبل المثقف.. وهي خطوة مهمة في سبيل كسب الجمهور، وجعلهم القاعدة الأهم له، إضافة إلى المثقفين. الظاهرة الثقافية الأخرى التي تتبعها البرنامج، هو ازدياد ظاهرة بيع الكتب داخل المولات التجارية، فالكل يعلم أن بيع الكتب، كان يقتصر على أماكن محددة، في بغداد شارع المتنبي، وساحة التحرير، والمحافظات، في أماكن محددة، يعرفها رواد تلك المكتبات. اليوم، وبعد ازدياد أعداد المولات التجارية، وتوسع حركة التبضع، سعى بعض هواة بيع الكتب، إلى استثمار تواجد العوائل بشكل لافت في المولات، وتردد فئات مختلفة من المجتمع عليها للتسوق والتجوال، إلى بيع الكتب وسط البضائع الأخرى المختلفة، كمحاولة لجعل الكتب، جزء لا يتجزأ من اهتمامات الفرد العراقي.. وفعلا نجح البرنامج في لفت النظر إلى هذه الظاهرة المهمة التي أخذت بالتوسع والانتشار، في أغلب مولات بغداد والمحافظات. وجوانب أخرى مهمة، كانت موضع اهتمام ومتابعة من قبل البرنامج.
إن البداية الموفقة لـ ” أوان الثقافة” بوصفه البرنامج الوحيد الذي يعنى بالثقافة في الوقت الحاضر، يلقي على حسام وكل كادره، مسؤولية جسيمة، تتمثل بتقديم ما هو أفضل في القادم، والسعي لجعله برنامجا مغايرا، ومختلفا عن كل ما قدم من برامج مماثلة، بما يؤمن بقاء البرنامج أطول مدة ممكنة. فالمشاهد العراقي بحاجة ماسة إلى نشر الثقافة الرصينة والأصيلة، في وقت تتعمد الكثير من الفضائيات، لنشر كل ما يساهم في تسطيح وتجهيل الوعي، وإعطاء صورة مشوهة للعالم بأن العراق، لا يملك ثقافة رصينة. إن مسؤولية ” أوان الثقافة” هي إثبات العكس، ونقل الصورة الحقيقية للثقافة العراقية.