المدلولات النفسية والاجتماعية التي تبعثها احداث القتل والخطف والانتحار والاعتداء على الاشخاص تشير الى فشل سياسي عميق في ادارة الدولة العراقية ومهما كانت اسباب هذه الجرائم الخطيرة ومهما كانت التفسيرات الجنائية والدوافع بارتكابها فان الحقائق العلمية التي يتحدث بها المختصون والباحثون في علم النفس والاجتماع تؤكد وجود ارتباط حقيقي بين مبررات الجريمة والمعاناة الكبيرة التي تعيشها فئات مختلفة من المجتمع العراقي تتشارك في اقتسام الاثار السلبية للازمات الاقتصادية التي تحيط بالبلاد والتي تسببت بانتشار مريع للفقر وتفشي الامراض وشيوع البطالة والاهمال والتهميش للكثير من الطاقات والامكانيات التي وجدت نفسها خارج الحسابات فيما يتسلق الى منصات المسؤولية وعناوين القيادة اخرون لايملكون شيئا من المقدرة دفعت بهم الاقدار والصدف بمساعدة احزاب وجهات سياسية تمتلك النفوذ والمال وتستهدف المزيد من الثراء والمزيد من مساحات التاثير بما يوازي توجهاتها ومن المؤسف ان تتغاضى وسائل الاعلام عن هذا الارتباط الحقيقي بين مايتعرض له الشعب العراقي من ضغوط نفسية واجتماعية وبين الفشل في الادارة السياسية وفقدان ابسط الحقوق التي تتعلق بالخدمات وفرص العمل والرعاية الصحية وتكتفي مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام بالتركيز على المثير من القصص والاحداث التي تشهدها المدن العراقية من دون الغوص في اعماقها والتفحص في اسبابها ومدلولاتها حيث يتعرض الاشخاص المعنيين بهذه القصص والاحداث الى التشويه في سلوكياتهم الاجتماعية والاساءة الى عوائلهم واقاربهم وانتماءاتهم المناطقية والدينية والقومية والمذهبية وتستمر محاولات الاساءة الى حياتهم الخاصة وفضح اسرارهم الشخصية تحت غطاء اظهار الحقائق وتوفير المعلومات التي اتاحتها منظومة الحريات العامة في العراق من دون قيود اخلاقية او منظومة قوانين فاعلة تنظم العمل الاعلامي فيما الحقيقة المرة تقول ان مايطفو على السطح اليوم من احداث ماساوية تتصاعد وتيرتها في العراق هو نتاج لسلسة من الاخفاقات والفشل في بناء الدولة وبناء الانسان في العراق وان معالجة هذه الاحداث والتفاعل معها لاينبغي ان يكون بمثل هذه السطحية كما ان واجب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية لايمكن ان ينحصر بمتابعة الدور الامني والقانوني الذي تضطلع بها مؤسسات وزارة الداخلية وجهاز الامن الوطني وانما من خلال فسح المجال امام المؤسات العلمية البحثية ومنظمات المجتمع المدني وبذل الجهود للاحاطة بالمعلومات واجراء استطلاعات الراي للبحث في اسباب الجرائم المتكررة في العراق وسبل مواجهتها واحتوائها وتقديم الافكار والمقترحات التي من شانها تخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية على الشباب العراقي وعلى فئات المجتمع العراقي الاخرى التي تتعرض الى الاهمال مع غياب البرامج الحكومية ومع فقدان الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني في البلاد .
د. علي شمخي