صالح الصحن
تقول ماري الين اوبراين في كتابها (التمثيل السينمائي)، ان معلم الصوت والالقاء فرانسوا ديلسارت حاول ان ينمط الية الحديث والاشارة خلال حياته المهنية في باريس في مطلع القرن التاسع عشر، لكنه فقد صوته نتيجة لتمرين خاطئ في كونسرفتوار باريس عام ١٨٢٥،وكرس ما تبقى من حياته لتدريب الممثلين على المواءمة بين النطق والاشارة، هذا ما بدأنا به مقالنا هذا بوصفه موقفا لا يخلوا من مفارقة، والذي يليه عدد من المواقف التي مرت في تمثيل الافلام في السينما العالمية، مواقف سجلت في ادبيات الاشتغال السينمائي كمفارقات، منها الارتجال ونسيان الحوار والاعتذار عن قبول الدور بسبب قصره او ضعف الاجر، وبعضها وصل الى حد تدخل الممثل في عمل المخرج واثارة الاعتراضات، فيما تسجل مواقف مغايرة لبعض الممثلين النجوم بقبول الادوار القصيرة، او التخلي عن الاجور او تخفيضها، مع الكثير من حالات اعاقة العمل نتيجة الطوارئ والحوادث وغيرها، فالارتجال مثلا، يكاد يكون قد اقترن بفيلم الدار البيضاء ١٩٤٢جراء تغيير حوارات الفيلم بين لقطاته واستياء ممثليه الذين عانوا كثيرا في حفظ الحوار، وكذلك تلتصق سمة الارتجال على اغلب افلام المخرج وودي الن، وساد ايضا حوارات فيلم (القهوة والسجائر) 2003 الكثير من الارتجال في حوارات الممثلين وغيرها من الحالات ،وهناك مواقف اخرى لا تخلو من اثارة المشاكل في الفيلم ففي فيلم العراب حاولت ادارة الانتاج منذ المشاهد الاولية استبدال المخرج كوبولا بالمخرج ايليا كازان، ولكن الممثل مارلون براندوا اعترض وهدد بالانسحاب من الفيلم احتجاجا على كازان لانه كما ادعى انه وشى بزملائه اليساريين، وكذلك في فيلم (سفر الرؤيا الان) 1979 لكوبولا تدخل براندو في اعادة كتابة دوره في الفيلم والتلاعب والارتجال فيه بعد ان قبله كوبولا مكرها وكذلك اصرار براندوا على التصوير في ظلال الاماكن خشية من زيادة وزنه، ومطالبته باجر اضافي لقاء حلق شعره، وبما يعطي انطباعا مغايرا لما يتمتع به من مكانة عليا ونجما في السينما العالمية ، وايضا تسبب الممثل ويل سميث في تأخير وتوقف تصوير فيلم (رجال في ملابس سوداء ) 2012, وتدخله في تصوير مشاهد الفيلم الذي سبب له الخسارة وزيادة التكاليف ، وفي فيلم ساحر الاوز ١٩٣٩ رفض الممثل الكوميدي و. س. فيلدز القبول بدور الساحر لأنه اصر على اجر 100,000 دولار بدلا من 75,000دولار، فيما اعتذر ايضا الممثل ستيرلنج هيدين الذي كلفه المخرج ستيفن سبيلبيرغ لفيلمه (الفك المفترس) خشية من ملاحقة الضرائب الامريكية له، وبعدها قبل الدور الممثل روبرت شو الذي انهزم مباشرة بعد تصوير مشاهده خوفا من ملاحقة الضرائب له ،وكذلك ندم كثيرا الممثل جريجوري بيك لاعتذاره عن دور البطولة لفيلم (قطار الظهر) 1952,الذي اسند للممثل كاري كوبر الذي حصل على الاوسكار كأفضل ممثل رئيسي، وهناك اعتذار من نوع اخر، ففي فيلم (لقاءات قريبة من النوع الثالث) 1977للمخرج ستيفن سبيلبيرغ الذي كلف الممثل ستيف مكوين لدور البطولة، ورغم اعجابه بالسيناريو الا انه اعتذر عن قبول الدور، بقوله :لم يكتسب مهارة البكاء في أفلامه ن وهناك مفارقة ايضا في اختيار ممثل بالخطأ لدور الشرير، كما حصل في فيلم (العلاقة الفرنسية) 1971نتيجة سوء تفاهم، ظنا من المخرج انه طلب ممثلا اخرا،،وفي فيلم (بن هير) 1959، اعتذر الممثل بيرت لانكستر عن دور البطولة لاعتراضه على مشاهد العنف فيه وبما يمت بالاخلاق من صلة،وفي فيلم (فرانكشتاين) 1931رفض الممثل المعروف بأفلام الرعب بيلا لوجوسي دور الوحش بذريعة انه خال من الحوار، ورفضه ايضا الممثل جون كاراداين بزعمه انه ممثل قدير ولن يليق به دور الوحش، وفي فيلم (البعض يفضلونها ساخنة) 1959، تكرر غياب وتأخير الممثلة مارلين مونرو عن مواعيد التصوير ونسيانها لحواراتها في الفيلم، مما اضطر الى اعادة تصوير لقطتين لها، الاولى ب 59 مرة، و والثانية ب47 مرة، كل لقطة بثلاث كلمات فقط، ومن المواقف المثيرة ايضا ان فيلم (كل شيء عن حواء) 1950,اطلق عليه فيلم الثلاث انتحارات بسبب انتحار ثلاثة من ممثليه، وهم مارلين مونرو 1962والممثلة باربرا بيتس 1969 والممثل جورج ساندرز 1972، وهناك فيلم (متمرد بدون قضية 1955توفي ابطاله الاربعة في حوادث مختلفة وهم جيمس دين وناتالي وود وسان مينيو ونيك ادمز ، وفي فيلم ( احدهم حلق فوق عش المجانين)1975 لميلوش فورمان، رفضت ست نجمات هوليوود دور البطولة وهن: جين فوندا وان بانكروفت وايلين بيرستين وجيرالدين بيج وانجيلا لانزبيري وكولين ديوهيرست، وكلفت به ممثلة مغمورة في حينها لويز فليتشر التي حصلت به على الاوسكار كأفضل ممثلة بدور رئيسي، ومن الطرائف ايضا، ان الممثل كلارك كيبل في فيلم (حدث ذات ليلة) 1939 في مشهد ما، خلع قميصه الخارجي دون ان يرتدي فانيلا داخلية، الامر الذي ادى الى تقليده من قبل الملايين، وبما تسبب في خسارة مصانع القميص الداخلي، التي هددت بمقاضاة الجهة المنتجة للفيلم، ومن المثير ايضا ان يطلق لقب (ملكة الصراخ) على الممثلة فاي راي عن دورها في فيلم (كنج كونج) 1933 في مشهد تكون هي فيه بقبضة القرد العملاق وهي تصرخ وتطلب الاستغاثة ، وكثيرة جدا هي مواقف اختيارات الممثلين والممثلات وتدخل شركات الانتاج بها وتجاوز سلطة المخرج غالبا، ولكن في فيلم (شمال مع شمال غرب) 1959لهيتشكوك الذي اصر على اعطاء دور البطولة للممثلة ايفا ماري سانت، رغم ارادة الانتاج، واصر كذلك المخرج كوينتين تارانتينو اسناد دور المجرم فيجا للممثل جون ترافولتا في فيلم (الادب الخيالي الرخيص) 1994 رغم ترشيح عدد من النجوم الكبار للدور ،اما في فيلم( سيدتي الجميلة) 1964 فقد اصر المنتج جاك وارنر على اختيار الممثل ريكس هاريسون بقوله : لن اشاهد فيلم سيدتي الجميلة اذا لم يسند دور البروفيسور هيجنز للممثل هاريسون،ومن المواقف المثيرة هو ظهور الممثل توم كروز في فيلم( مهمة مستحيلة) 2011 وهو يقفز ويتسلق جدار برج خليفة على ارتفاع اكثر من 100طابق مع وجود الاحتياطات اللازمة للحماية من المخاطر، وتسجل الوقائع السينمائية، ان بعض النجوم المشاهير الكبار يتعاملون بروح ايجابية عالية في التعاون ودعم الفيلم بقبول ادوارا قصيرة، ففي فيلم (12سنة من العبودية) 2013 يؤدي الممثل المعروف براد بيت دورا قصيرا يجسد فيه شخصية رجل دين، رغم انه له مساهمة في انتاج الفيلم، كذلك الممثل جورج كلوني الذي جسد دورا قصيرا لشخصية رائد الفضاء الذي رافق دور المهندسة الفضائية (بولوك) في فيلم الجاذبية 2013، فيما ظهر الممثل روبرت دينيرو بدور قصير ايضا في فيلم (احتيال اميركي) 2013، وفي فيلم (كبير الخدم) 2013 ظهر عدد من كبار النجوم والنجمات في ادوار قصيرة منهم: جين فوندا وفانيسيا ريدغريف وروبن وليامز وجون كوساك وكوبا جودنج وماريا كاري والان ريكمان وجيمس مارسدين، وهناك من الممثلين من يحترم رسالة الفيلم ولن يجعل اجوره شرطا لازما، فقد تنازل الممثل ماثيو ماكونوهي عن اجره الذي بلغ ثمانية ملايين دولار في فيلم (نادي دالاس للمشترين)، الذي تعرض الى ازمة مالية واثبات حرص البطل على تنفيذ الفيلم ، وهناك من المواقف غير المتوقعة، ان تصادر الاسلحة المختلفة المستخدمة في تصوير مشاهد فيلم (حرب الزومبي) 2013 من قبل السلطات المجرية وبما فجر خلافات شديدة بين بطل الفيلم براد بيت والمخرج مارك فورستر،وفي فيلم (الغاضب7) 2015 يضع في نهايته عبارة (من اجل بول) رثاء لبطل الفيلم بول واكر الذي وافته المنية في حادث مفاجئ في منتصف تصوير مشاهد الفيلم، مما ادى الى اعادة كتابة السيناريو واستخدام الحيل والتقنيات الحديثة في معالجة المشاهد الخاصة به، وفي فيلم (ريكي وفرقة فلاش) 2015 يتأجل تصوير مشاهد الفيلم عدة اسابيع لمنح بطلة الفيلم ميريل ستريب فرصة التدريب على عزف الجيتار الذي تعلمته ببراعة فائقة، وهي التي عزفت على الة الكمان في فيلم (موسيقى القلب) 1999في حفل للفرقة السيمفونية في نيويورك، ومن الجدير بالانتباه ايضا، ان يخضع الممثل ريان رينولدز الى ثماني ساعات يوميا لوضع المكياج الضروري له قبل التصوير بإضافة التشوه على وجهه وجسمه وملابسه في فيلم (ديدبول) 2016 الفيلم الذي حقق ارباحا طائلة، هذا بعض مما بحثنا فيه ولنا معكم في دراسة لاحقة لعدد ليس بالقليل من المواقف والحالات المتفردة في حرفة التمثيل في السينما العالمية…
د صالح الصحن
كلية الفنون الجميلة_ قسم السينما والتلفزيون