قضية الشعر الجديد (2ـــــــ2)

سلام مكي

 ويستمر النويهي في ذكر ومقف إليوت من الشعر الجديد فيقول: وإن كان إليوت يسلم، بل ينادي بقوة بأن الأشكال التقليدية تحتاج باستمرار الى ان تحطم ويعاد صنعها من جديد. وهذا يدل على أن دعوة النويهي، إنما هي استنساخ لفكرة إليوت، الذي يرى أن الشاعر الرديء وحده الذي يحاول التخلص من الشكل الموزون! ثم يعرف النويهي الشعر فيقول: كلام موزون! ( هكذا عرفه علماؤنا القدامى، مضيفين إلى تعريفهم شرط القافية الذي نرى الآن فيه رأيا مختلفا) والوزن هو سمته الأولى التي تميزه عن النثر. وللأسف، فإن هذا التعريف القديم الذي ألبس ثوبا جديدا، لم يأت بجديد، بل هو تكرار وترديد لأقوال القدماء، الذين كانوا يرون أن الشعر، هو الوزن فقط! وإلا فإن كلام النويهي بأن الوزن هو السمة الأولى التي تميزه عن النثر، يعني أن كل كلام موزون، هو شعر بالضرورة، وكل كلام، خال من الوزن هو نثر بالضرورة! وعند طرحه لوظيفة الوزن، عاد إلى إليوت مرة أخرى فقال: هي التي تمكن ألفاظ الشعر من تعدي عالم الوعي والوصول إلى العالم الذي يتجاوز حدود الوعي التي تقف دونها الألفاظ المنثورة! ولكون أن إليوت لم يبين كيف ينقلنا الوزن من الوعي إلى اللا وعي، فقد قرر النويهي، شرح الأمر بطريقته الخاصة، فقال: لابد أن تكون هنالك حاجة جذرية عميقة في صميم النفس الانسانية حت  تفسر لنا ارتباط الشعر دائما باللغة الموزونة.. وحين نفكر في هذا كله يتضح لنا أنه لابد ان يكون في الوزن شيء اساسي! هو الذي يجعله فرضا لازما لا يستطيع الشعر ان يحيا بدونه! ثم يضرب لنا مثلا عن حالة نفسية معينة، يمكن في حالة المرور بها، أن ندرك أهمية الوزن. والشعر حسب رأيه يتناول أقوى العواطف واكبرها حدة واكثرها اهتزازا . والاهتزاز هو السمة الأولى للعاطفة والسمة الأولى للوزن! المفارقة العجيبة هي الجملة التي أوردها النويهي، والتي يؤكد لنا من خلالها صحة فرضيته. ونص الجملة كتبها باللهجة المصرية فيقول:  أنا مبارح شفت محمود وزعلت قوي لما لقيت العيا خسسه بالدرجة دي!!!!!! هل يصح ويعقل هذا؟ هل من المنطق فرضية، تخص النفس البشرية التي ليست على مستوى واحد من الوعي والادراك والاحاسيس والمشاعر، أن نفترض لها شعورا واحدا؟ كيف يمكن لهذه الفرضية التي لا وجود لها إلا في مخيلة الكاتب، ولا دليل على صحتها، ولا يوجد خيط رفيع، يمكن للقارئ أن يمسك به، ليصدق أن الوزن شيء أساس في الشعر. فحجة بدأت بعبارة : لابد ولا بد وللأسف هو نفسه لم يكن متأكدا منه. ثم، كيف لي أنا الذي أبحث عن الشعر العربي الذي يمثل هوية الأمة، وإطارها الحضاري، وعنوان العروبة، أن أكتب بلهجة محلية أبعد ما يكون عن اللغة العربية؟ هل يمكن لطالب العربية من غير مصر، أن تصل له فكرة الكاتب عبر ضرب مثال باللهجة الشعبية؟ وحتى لو كان المتلقي هو من نفس البلد، لكن أليس هدف الدراسة أصلا صيانة اللغة وحمايتها من زحف اللهجة الشعبية؟ إن قضية الشعر الجديد، لا يمكن دراستها، عبر أفكار مؤدلجة، متحيزة لبلد وللهجة دون أخرى. لابد من دراسة موضوعية حيادية، غير متطرفة، لا للجديد ولا للقديم، إنما تقوم على الحاجة الحقيقية للشعر، ومدى قدرته على تلبية تلك الحاجة، ومدى قربه من النخبة والجمهور، وليس مدى قربه من ثوابت الأمة وتاريخها وثقافتها القومية!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة