مطولات

محمد زكي ابراهيـم

ربما لم يسمع الكثيرون بكتاب اسمه “المستطرف في كل فن مستظرف”، وضعه في الحقبة المملوكية كاتب مصري اسمه الأبشيهي المحلي (ت 1448 للميلاد)، فهو كتاب غير مقروء على نطاق واسع. وسبب ذلك ليس لصعوبته، لأنه سلس ممتع، لكن لحجمه المفرط. فعدد صفحاته يزيد عن 1700 صفحة من القطع الكبير. وعلى حاشيته كتاب آخر لم أعد أتذكر اسمه. وموضوع الكتاب مجموعة هائلة من الأخبار والروايات والمعلومات والأشعار، كتبت بعربية سليمة وطبع في مصر طبعات عديدة.

إلا أن الواقع أنني قرأته وأنا في الخامسة عشرة من عمري، بعدما عثرت به لدى صديق للعائلة يكبرني سناً. وحينما أعدت الكتاب له، سألني إن كنت قرأته بالفعل، فلما أجبت بالإيجاب انفجر ضاحكاً، وأخبرني أنه لم يقرأه لطوله. وكان لسان حاله يخاطب المؤلف (إن كنت ضيعت عمراً في كتابته / فلن أضيع عمراً في قراءته). كانت كلماته مشجعة جداً لطالب ثانوي مثلي، لم يعتد على قراءة موسوعات تراثية كبرى من قبل.

وقد يعجب المرء كيف تسنى لشخص بمفرده أن يكتب هذا العدد الجم من الصفحات، وأن يجمعها من مصادر متعددة، ويعلق عليها. فعمل كهذا يستغرق سنوات. وقد قرأت ذات مرة رأياً للدكتور علي الوردي يعقب فيه على موسوعة بحار الأنوار لمحمد باقر المجلسي (ت 1698 م) التي أنجزها في 110 مجلدات، يرجح أنه لم يكن يعمل بمفرده، بل يستعين بفريق عمل من أشخاص يدونون الأخبار ويقوم هو بالتعليق عليها.

ومع أن هذا الأمر غير مؤكد تماماً، إلا أنني وجدت أن الكتب التي وضعها رؤساء وسياسيون كبار، كانت على الأغلب من هذا الطراز. وكان منهم صدام حسين الذي نسبت إليه بضع روايات في التسعينات، يعبر فيها عن الإحباط النفسي الذي أصابه بعد سلسلة مغامرات فاشلة. كما استعان الحاكم المدني الذي خلفه في السلطة بول بريمر بأحد الصحفيين الأميركيين في تأليف كتابه (عام قضيته في العراق) لكنه لم يغفل اسمه. بل إنني علمت أن أحد المدراء العامين في العراق وضع كتاباً بمعونة من أحد موظفيه الذين يشتغلون في الإعلام، بعد اعتزاله، يتحدث فيها عن ظروف عمله. وفيه الكثير من الأسرار والوقائع، التي تهم المؤرخين بشكل خاص.

شخصياً لا أظن أن هناك مشكلة في هذا النوع من التأليف، لأن المطلوب فيها ليس اللغة أو الأسلوب أو الإبداع، بل المعلومات والحوادث التي جرت في حقبة ما، والمؤلف هو المسؤول عنها وليس المحرر المسكين. وأظن أننا بحاجة ماسة إلى كتب كهذه، لفهم ما يجري في هذا العالم، ولو بعد حين. فمن غير الممكن تكوين صورة حقيقية عن حقبة ما دون شهادات حية، من أشخاص شاركوا فيها، أو عاشوها عن قرب. وهذه المهمة لم يغفلها زعماء العالم، ولم يتوانوا عن الإفصاح عنها، لتبرئة ذممهم أمام التاريخ.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة