للمرة الثالثة على التوالي، تشارك في أيام قرطاج السينمائية افلام مستوحاة من الاحداث الدامية التي ساهم فيها الفكرالأرهابي المتطرف سواء من قبل داعش أوغيرها ، ويبدو ان الجزائرالدولة الأولى التي تعرضت لحرب أهلية استمرت لعشر سنوات دامية ، مازال السينمائيون الجزائريون يعانون عقدة الخوف من تلك السنوات، لدرجة ان أفلامهم مازلت تروي تلك القصص المستوحاة من واقع حقيقي حدث يوما ما .
تونس ـ لمى طيارة:
شارك في دورة هذا العام من ايام قرطاج السينمائية التي انتهت منذ أيام 14 فيلما روائيا طويلا ، معظمها افلام عربية فيما لو استثنينا فيلما وحيداً قادماً من القارة السوداء تحديداً من السينغال بعنوان (اطلنطيك) للمخرجة السنغاليه ماتي ديوب ، بينما تشارك وبعيداَعن افريقيا افلام قادمة من كل من سوريا والاردن والعراق والسعودية ، ورغم ان وجود الافلام العربية في المهرجان بهذا الكم وربما الجودة يؤكد على حضور قوي للسينما العربية في المحافل، لكنه على جانب آخر يبدو كظاهرة سلبية لم تعتد عليها الأيام في دوراتها السابقة ، فالأيام كانت ومازالت فرصة لنا نحن القادمون من حوض البحر الأبيض المتوسط البعيدون الى حد ما عم أفريقيا ، للاطلاع على ثقافات وسينمات القارة السوداء ، أما المنطقة الشمالية من أفريقيا فتشارك هذا العام بالعديد من الافلام جنبا الى جنب مع البلد المضيف تونس . وتشارك الجزائر الدولة الجارة بفيلمين روائيين هامين ، الأول هو فيلم أبو ليلى للمخرج أمين سيدي بوميدين ، والثاني فلم بابيشا للمخرجة مونيا دور الذي يمثل الجزائر في منافسات مسابقة جوائز الاوسكار السينمائية، والفائز بجائزة أفضل عمل روائي عربي طويل في الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي.
تدور أحداث فيلم بابيشا في فترة العشرية السوداء وتحديدا في نهاية التسعينيات ، في ذلك الوقت الذي كانت فيه الجبهة الاسلامية للانقاذ تحاول فرض نفوذها على الشارع الجزائري وخاصة على الشباب الجامعي منهم بطريقة قوية وعنيفة ، فتـأمرهم بوضع الحجاب (الحايك) ، وتقيدهم في ملبسهم ومسكنهم وحتى في حياتهم الاجتماعية ، ووسط كل هذا الضغط الاجتماعي والارهابي تحاول نجمة الطالبة الجامعية المقيمة في السكن الجامعي والتي فقدت شقيقتها بعمل ارهابي ، ان تصمم الآزياء العصرية المستوحاة من الحايك الجزائري كدلالة ورمز على رفضها الواقع الذي تحياه ، وتقرر عرضه بمشاركة بعض من صديقاتها المؤمنين بالحلم ، وسط خوف واعتراض كبير من قبل الجميع حتى بائع الأقمشة، وكلمة بابيشا التي عنون بها الفيلم تعني بالجزائرية الفتاة الجميلة المددلة والصغيرة.
صحيح ان الفيلم يستثمر مضمونه من فترة تاريخية سوداء في حياة الجزائر والجزائريين ، وهي فترة عصبية مازالت عالقة خاصة في عقول كبار السن الذين عايشوها ، وتم التعاطي معها سينمائيا بطرق عديدة ومتنوعه ضمن أفلام كثيرة سابقة ، الا ان ما يميزهذا الفيلم هو قدرته على طرح وتقديم خفايا بعض فئات المجتمع الجزائري الذي كان يحاول المقاومه حينها ، والذي ربما بسببهم استطاعت الجزائر ان تنفض الغبار عنها وان تتخلص اليوم الى حد ما من الفكر الأرهابي الذي كان يسيطر عليها .
ورغم ان فيلم (بابيشا) يعتبر من نوعية أفلام سينما المؤلف حيث أن الكاتبة هي نفسها مخرجة الفيلم ، الا ان المخرجه لم تقع في مستنقع سرد الحكاية بشكل تقليدي أو حتى دموي كما تجري العاده ، بل حاولت خلق حكاية أقرب ما تكون الى الواقعية ، رغم انها سقطت سهوا في اخطاء بسيطه متعلقة على سبيل المثال بأخطاء بالملابس (الجينز المقطع) ، ولكنها لم تحاول استدراج العواطف ولم تستخدم الدم ، رغم مرور الأمرين بشكل سريع.
كما انها حافظت على الحد الفاصل ما بين كونها كاتبة ومخرجه للعمل ، فلم تركز على الحبكة على حساب اللغة السينمائية ولم تفعل العكس، وربما يبدو ذلك نتيجة طبيعية لعملها لسنوات في اخراج الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة، فاستخدمت المخرجه لغة سينمائية بصرية مميزة سواء من خلال زوايا التصوير أو من خلال الاضاءة أو حتى في حركة الكاميرا، محاولة في الوقت عينه الحفاظ على الايقاع المتوزان والمناسب للعمل وهو أمر يحسب بشده للمونتير الذي عمل معها في الفيلم .