د. طارق الجبوري
ان الصورة في أبسط اشكالها لا تعدو ان تكون مجموعة من الخطوط وقد تكون هذه الخطوط بنائية تشكل الهيكل البنائي الرئيسي للصورة، وهذا ما يعتمده الميزانسين في تشكيله تماماً، معتمداً الخط والشكل والكتلة والحركة والفراغات والمساحات كعناصر للتكوين، وهذه العناصر لها لغتها العالمية ضمن تشفيرات البعض منها معروف ومفهوم غالبا ما يفجر استجابات عاطفية متماثلة تقريبا لدى معظم المتلقين، واذا ما توافر استخدامها مع تحقيق التكامل الدقيق فيما بينها بشكل فني وعلى قدر من الخيال والذكاء فإنها تؤلف لغة التكوين القادرة على ترجمة الجو و الأسلوب والحالة النفسية المطلوبة .
وبقدر ما تحدد الخطوط الهيكل العام للأشياء ، منها ما هو واقعي ومنها ما هو انطباعي يمكن ان تخلق علاقات مهمة ضمن (الرباعية) الشكل، الكتلة، الحركة ، الفضاء ، بشكل مترابط يخدم جانباً مهما من الميزانسين بقدر ما يؤدي الاسراف في استخدام الخطوط المستقيمة منها والمنحنية والمائلة الى الاضطراب في الرؤية وتداخل وتقاطع تعكس اثارة بالغة لا يمكن التحكم بها خصوصاً اذا ما عرفنا «ان الوقت المطروح لمشاهدة اللقطة لا يتسع لتفحص سطح الصورة على مهل فالنتيجة تكون تشويشاً صورياً ينجم عن وجود اكثر من ثمانية أو تسعة عناصر رئيسية في التكوين» تضخ اشاراتها دفعة واحدة ، وهذا الجانب يفرض على المخرجين توخي البساطة في تنظيم الميزانسين لكي تستطيع العين مسح اللقطة بكل تفاصيلها و من ثم توحيد العناصر المختلفة داخل تشكيلة منظمة «قد تكون الخطوط من جهة اخرى ثانوية تقتصر على الوصل بين الخطوط البنائية وتقوية الروابط بينها أو تقوم بأداء الربط بين احد الخطوط البنائية وحدود اطار الصورة كي تثير الشعور بالاستمرار أو اللانهائية» وهنا يأتي دور الاطار الخارجي ليلعب دورا مهما في تحقيق وحدة الشكل ذلك لكونه الوعاء لكافة الوحدات البصرية التي تشكل منها اللقطة. وتتميز الصورة بالوحدة عندما تتكامل كل العناصر السمعمرئية التي يضمها المشهد وهذا يحدث عند ترجمة الجو والمزاج النفسي المطلوب بالاستخدام المناسب للخط والشكل والكتلة والحركة والإضاءة اضافة لحركة الممثلين وحركة الكاميرا الى جانب استخدام اللون المناسب. وعلى كل العناصر النفسية والجمالية والتقنية للمشهد ان ترتبط فيما بينها برباط متين بغية ان تنقل الينا شعوراً عاطفاً موحداً ذلك ان الجمع بين خليط غير متكامل أو متجانس من عناصر السمع مرئية لا ينتج عنه سوى صدمة متضاربة الاتجاهات تؤدي الى اضعاف سرد القصة، وهنا يأتي دور الميزانسين في تنظيم هذه العملية وتنسيق هذه العناصر السنغرافية في تكوين يعد ترجمة واضحة لفحوى اللقطة والمشهد.
هنا تتجلى مهام المخرج والمدير الفني في تشكيل ميزانسين خلاق عن طريق خلق التكوين على سطح مستوٍ متوازي الأضلاع بترتيب يتم عموما ضمن نوع من الموازنة أو المعادلة ذات الانسجام التوافقي.
المقصود بالتركيب التقليدي والتكوين الاعتيادي المبني على اسس تكوينيه دارجة وتسمى قاعدة الموازنة التوافقية التي اصبحت عند البعض من الماضي حيث تمثل الواقعية الكلاسيكية بحذافيرها بينما اخذ الكثير من المخرجين احداث انقلاب على المقاييس القديمة أو التقليدية في الموازنة بينها، فأورسون ويلز وجون فورد وازنشتاين من النمط الأول بينما يشكل فيليني وبازوليني وكودار النمط الثاني.
ان جميع العناصر السينغرافية التي في الكادر تعاني صراعاً فيما بينها وفقاً لبعض المدلولات ووفقاً للأحاسيس التي تثيرها هذه العناصر كل منها على حدة أو مجتمعة مع بعضها.
ولكي يتكامل الشكل وفقاً لأسس التنظيم الجمالي فمن الفروض ان تنتهي هذه الصراعات بين الوحدات البصرية بسيادة فريق من هذه العناصر، هنا يلعب الميزانسين دوراً مهما في تنظيمه لعناصر السينغرافيا من اجل خلق التشكيل الحركي التكويني لتأطير موضوع معين مرسوم سلفاً في حدود اللقطة الواحدة.
يجري كل ذلك عبر اشتغال واضح للمساحات والفراغات والكتل والوحدات البصرية الاخرى داخل مساحة محدودة هي حدود اطارالكادر، فأي تغير في وضع العناصر البصرية من المؤكد سيؤثر على احاسيسنا وسلوكنا وانطباعاتنا ويشترط ان تحل سمة التوازن التي تلعب دوراً هاماً في ترسيخ اللقطة والاحساس براحة نفسية حين النظر اليها. ومهمة المخرج تكمن في رسم التوازن وعدم وجود قوانين صارمة او معايير يمكن ان يقاس عليها. ان الاحساس بالتوازن في الصورة السينمائية يبدو قريبا من القواعد الرياضية، ويكسب طابعا ماديا ملموسا، الا انه في الواقع لا يعدو ان يكون مجرد احساس او شعور قد يحسه به المشاهد ولا يحس به الاخرون، ولكن بطبيعة الحال ان النفس تميل لا شعورياً الى التوازن في التكوين حيث تلتئم العناصر المختلفة في صورة مقبولة، مع ذلك فان من المفروض عادة مراعاة قوانين التوازن